بقلم/ صالح ابراهيم انجابا
ينزوى فى ركن صغير على الشمال الغربى من الغرفة التى تشبه زنزانة فى سجن الغربة.اسدل الستار واطفئ الأنوار ورقد على سريره بعد ان قضى يوماً حافلاً بالعمل فى مصنع تعليب اللحوم فى مدينة ديترويت
يحاول ان ينعم بنوم صار اسيراً فى قبضة الصحيان فى تلك الليلة التى تجر قطار من الهموم ليدوس عجلاته على خلايا عينه التى لم تذق طعم الراحة.
يتقلب على فراشه تارةً الى اليمين وتارة الى الشمال وتارة يرقد على ظهره مُحدقاً على سقف الغرفة المطلى بياضاً كانه سحاباً ابيض يمطر
هماً وغماً اومرايا تعكس وجهه العبوس والفاتر من ركلات سنين ا لإبتعاد الطويلة.يحاول ان ينعم بنوم صار اسيراً فى قبضة الصحيان فى تلك الليلة التى تجر قطار من الهموم ليدوس عجلاته على خلايا عينه التى لم تذق طعم الراحة.
يتقلب على فراشه تارةً الى اليمين وتارة الى الشمال وتارة يرقد على ظهره مُحدقاً على سقف الغرفة المطلى بياضاً كانه سحاباً ابيض يمطر
يناجى نفسه كثيراً سائلاً ما طعم الحياة فى غربة مليئة باشواك تدمى اقدامه التى ما زالت تسير على خارطتها التى ليس لها حدود تنهى المعاناة لتمضى الأيام والسنين دون ان يحس بها ويجد الشيب تسلل الى راسه الذى كان فاحماً كسواد الليل.
ينهض من سريره ليجلس على كرسى صغير امام طاولة يوجد عليها كمبيوتر يسليه عندما يحس بخيبة الأمل ويبكيه احيانا حين يقرأ اهوال الأحداث الجسام, فيجلس ويطالع صفحات التواصل الإجتماعى بالبحث عن اصدقاء الطفولة والأقارب الذين لم يراهم او يسمع عنهم لردحً من الزمان, وبعد برهة يفتح مواقع الوطن اللإلكترونية ليتصفح على اخباره ويعرج الى موقع فرجت ويقرأ الأنباء المكبوسة بشحنات الياس, لأن فى طياتها تحمل خبر هروب جماعى لإرتريين فى مقتبل العمر من ارتريا, وعن عصابات اجرامية تمارس عمليات جراحية وتشريح فى اجسام شباب قتلوا من اجل بيع اعضائهم تخصص فى تنفيذها جزارون ليس لهم اى وازع ضمير بل همهم جمع المال الملطخ والمغسول بالدم . واكثر من ذلك اخبار معسكرات اللجؤ ترسل اهات
سعيد غلفه الياس واحاطه من كل زاويا وعيناه لا ترى الا سواداً يعيقه من النظر الى الفرح الجميل,كل شئ لا يسر الخاطر وحاول للمرة الثالثة ان ينوم ويسدل الستار على غشاوة التفكيرفأدخل كل جسمه النحيل من محن الزمن فى كهف الغطاء لمدة ساعة كاملة ولكنه لم يستطيع فاخرج راسه فقط ليرسل النظر تحت ضوء خافت تصدره لمبة صغيرة فوقع نظره على صورة امه التى معلقة على جدار الغرفة وحس براحة او نسيم عليل مشوب بحنان الأم يلفح وجهه ولكن مع النظرة الأولى يرن جرس التلفو ن ليسمع صوت جميل ورخيم وحلو النغمات سرى فى قلبه كنهر يتدفق بالحب والعطف فيرفع التلفون ويسأل بصوت ناعس :" هالووووو ".
جاء الصوت قائلاً " سعيد انا امك "
لم يصدق ما سمعته أذنيه بل وثب وجلس على حافة السرير معتقداً امامه امه شحماً ولحماً وليس الصورة الحلوة .
هز رأسه وفرك عينيه ليتسلل من الخيال الذى لفه ومتعه بلحظة ممتعة فيرد على التلفون بصوت ممزوج بالفرح والشوق:" انا مذهول يا اماه ومندهش لأنك اتصلت بىَّ فى الوقت المناسب . كيف حالك ؟ وهل انت بخير ؟ ارجوك طمنينى يا ست الستات ومنبع الخير."
ترد الأم بصوت منخفض:" يا ابنى انا بخير وعلى ما يرام ولكنى اتصلت بك لأنى رايتك فى الحلم لا بساً معطفاً اسود و تنظر الى السحاب دون ان تنتبه الى المارين فى منطقة مزدحمة فلذا إنشغلت عليك يا فلذة كبدى ونور عينى ."
فيشهق ويتنفس بإرتياح بعد ان طمئنته والدته وحس بنسمة باردة تلامس جسمه المنهوك من دنيا الإغتراب
:"اتعرفى يا اماه كنت فى خاطرى قبل اتصالك وكنت انظر الى صورتك التى امامى وفجأة جاء صوتك ممداً ذراعيه ليحضننى ويربت على كتفى ويشد من ازرى ويخفف من انفعالاتى وهمومى".
تسمع صوته متشبثاً بأمواج الأثير لتساله بشوق ولهفة :"لم تطمننى حتى الآن ارجوك يا ابنى قل لى ما بك؟."
فيقول بصوت حيوى
:" لالالا تغلقى انا بخير وكل ما فى الأمر اننى تعب ومنهك من العمل ومن الآم الغربة المطاطة ,إذ تركت الوطن لأعود اليه بعد التحرير ولكن حصل العكس اى كل الشباب بدا يهجر ارتريا التى يحكمها إنسان قلبه من صخر ".
تتحدث الأم بصوت خافت :" ابنى الغالى ارجوك ان لا تتدخل فى السياسة لأنى اريد ان اراك بين الفينة والفينة و لا اريد ان يحدث لك كما حدث لعمك حسن ابراهيم الذى لم نراه طيلة الخمسين عام الماضية لأنه كان مناضل فى الثورة والآن معارض ضد النظام ".
يرد الإبن ساخراً:" اسلاك التلفون صارت توصل الأخبار لزبانية العسكر , وحتى عبر الأثير علينا ان نكتم اهاتنا واناتنا يا له من زمن عجيب "
تقاطعه امه :" يقولون تسمع كل الأحاديث النى تدور بين الناس فلذا ارجوك ثم ارجوك ان تتحدث فى موضوع آخر من اجل خاطر امك التى لا تستطيع ان تفارقك وتنقطع عنك".
فيرد بصوت حزين:" اماه انا لا استطيع ان اصادم الحياة من غير ان اراك لأنك من يلهمنى الصمود والثبات , على كل حال لا تنشغلى سأسمع كل نصائحك ".
ترد الأُم بإرتياح محسوس فى صوتها الحنون قائلة:" طمئنتنى الله يطمئنك".
وتصمت لبرهة ويدخل فى الخط سعيد سائلاً:"اماه نسيت ان اسألك عن اخبار افراد العائلة والجيران والناس والبلد عامةً."
فترد بصوت فى نبرته حزن :" افراد العائلة بخير ولكن السؤال عن الجيران والناس والبلد عامةً سؤال من الصعب الرد عليه ولكن ما اقوله ننتظر الفرج من الله قريباً لتنصلح الأحوال وننتظر ......". يقطع التلفون بدون سابق إنذار
يتصل قائلا:"اماه اسف انقطع التلفون ماذا قلت عن الجيران والأقارب؟".
الأم ترد:" لم اسمع ماقلت ولكن انا سعيدة سمعت صوتك يا نور حياتى".
اماه :" انك تتجاهلين سؤالى ولكن لا باس اعرف السبب ".
ترد قافزة على فحوى السؤال:" ان شاء الله نلتقى قريباً وتبدأ بالدعاء الطويل وتسال الله سبحانه وتعالى ان يمتعه بالصحة والعافية ويهديه........ وينقطع التلفون للمرة الثانية":
بعد نهاية المكالمة دب فى جسده النحيل شعاع امل وتفاؤل لا نظير له فى تلك الليلة الطويلة فتنفس الصعداء وحس براحة وذهب الى سريره وتغطى ونام على انغام صوت امه الغالية.
واحزان الأطفال والنساء وكبار السن الذين لفظهم الوطن بعد ان قبض زمام امره سفاح لا يرحم. وامواج البحر
الأمريكية .
المضنى ويواصل فى الحديث مع امه
تغرق قرابة الخمسمائة شاب فى سواحل لمبادوزا الإيطالية الذين كانوا يحاولون الوصول الى ارض الأحلام اروبا, اما فى الصحراء التى تفصل ليبيا عن السودان يدفنون عشرون شاباً
احياء فى رمالها الملتهبة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق