بقلم اختكم / زينب
في موضوعي السابق قد تحدثت عن حياتي الزوجيه وكانت أجمل سنين حياتي ، وتركت تلك الأيام الحافله بكل معاني الجمال والحب والإخلاص زكريات لاتنس وهي محفوره في الزاكره وفي غرف القلب المغلقه لايمكن أن تفتح إلا مع صاحبها الذي أوجدها وجعلها سيره تكتب وتروي بكل معاني الصدق ، وهي تركت نسمات تُحي الروح والجسد معاً بين الحين والاخر، ولكنها مرت كمرور الريح ، وكما هو معلوم الأيام الحلوه تراها مثل الثواني والدقائق المعدوده ، وبعد مرور ثلاثة أشهر من زواجنا في يوم من الأيام أحسست بإلم وإرهاق وتعب غير طبيعي لم أُحس به من بعد ، فتوجهنا الي الطبيب وأجرينا بعد التحليلات الطبيه لنتعرف علي الداء الذي جعلني أحس بهذا الأحساس الغريب ، وبعد ما أجرينا الفحوصات اللازمه رجعنا الي المنزل ونحن نترقب النتيجه عبر الهاتف ، وفي صباح اليوم الثاني إتصلت بي الطبيبه وأخبرتني وقالت لي أنتي حامل ، ولم أصدق وكاد قلبي يطير من الفرح ، وبعد سماعنا النبأ أنا وزوجي إنتابنا شعور أخر وهو شعور ذو شجون باننا سوف نصبح أب وأُم لمولود قادم ، ولكن لم يطمئن قلبي لهذ الحمل والسبب كما هو معلوم إن الحمل في الشهور الأربعه الأولي لا يثبت أي ربما يسقط لسبب ما ، وكان شعور مزدوج بين القلق والفرح معاً ، وبعد مرور خمسة أشهر من الحمل أجرينا كشف أخر وهنا تدخلت التكنلوجيا لكي تصور لنا الأحداث من داخل الغرفه الخاصه للنطفه التي لم تصل الي مخلوق كامل بعد، فكانت حركته برقيه يرسلها لنا عبر الموجات الصوتيه ويطمئننا أكثر ويقول ها أنا في طريقي اليكم ولا تحزنوا أحسبوا في الايام وتجدوني بينكم إن شاء الله قريبا ، وهنا أول من تلقي الاشاره وصدق ذلك الخبر قلبي وصدق النباء الذي وصلنا عبر شاشة الكمبيوتر ، وثم بعد ذلك صدقه عقلي وكل من هو حولي ، والكل يقول باني أحمل طفل في دواخلي وأحشائ وبعدها أحسست بأني فعلا حامل وكانت فرحتي لا توصف ..
ولكن قد مرت علينا فتره عصيبه جدا وهي فترة الأعراض التي تصاحب الحمل في الشهور الاوله التي تحتاج الي الوالده أو إنسان جرب ذلك ويحس بالالم والأعراض التي تصاحب تلك الفتره ، ولكن للأسف لم أجد أحد بجواري بسبب القربه والبعد الذي حال بيني وبين أهلي وأهل زوجي ، فكان زوجي هو الام والاب الذي يحس بي ويراعيني ولم يترك شيئ حتي الطعام يصنعه ويجلب لي، و كل ما إحتاجه ونفسي فيه ولم يقتصر علي ذلك بل كان يشد من أزرئ برغم أنه كان مشغول ومرتبط بموعيد وزمن محدد بسبب إرتباطه بعمل وعمله كان شاقا جدا ، ووقف معي حتي مرت تلك الايام العصيبه ، ولم يتركني لوحدي ولم يبتعد عني وكل ما إحتاج اليه أجده معي وبجواري ، من ما جعل كل الالام تهون وتمر من غير أن تترك أثر . ولدي قصه مرت عليّ أثناء الحمل أو في بداية حملي بالأصح ، وفي يوم من تلك الأيام ذهبتُ الي الفرن لكي أشتري خبزا ، وفي أثناء سيري هجم علي كلب الجيران فركضتُ عائدة الي البيت ، فوقعتُ علي بطني فصرخت من الخوف والالم معاً ، فإتصلنا بالشرطة ، وزوجي صار مشغولا ومهموما بالجنين فذهبنا الي المستشفي لكي نطمئن علي الجنين وبحمد الله قالوا أن الجنين بخير ، وفي تلك الفترة كانت هناك حوادث تماثل الحادث الذي جري لي ، فأخذت الشرطه الموضوع بمحمل الجد ، فحذروا الجيران بأن لا يتركوا الكلاب طليقه ،وإلا سوف يأخذوها منهم ، ومن بعد ذلك لم نري الكلاب ولم نسمع أصواتها . المهم مرت الايام والشهور التسعه وما تحمله من متاعب وتغيرات من فقدان شهيه وغير ذلك ، وجاء اليوم الموعود الذي طالما تحملنا أيامها وشهورها وهي تمر علينا كالسنين ونحن في الانتظار ذلك القادم الذي يحمل بشريات وتهاني من داخل الاحشاء فلابد لنا ان نستقبله ونعد له حتي يري النور وتتم المراسيم والاحتفاليه به وبقدومه ، وأتى يوم المخاض وكنت في البيت لوحدي وزوجي كان في العمل وإتصلتُ به وجاء مسرعا وقطع عمله ، لكي ينقذني وينقذ المولود القادم ونهنئ الاثنين بالحياه معا ، وثم بعد ذلك ذهبنا الي المستشفي في الساعة الرابعة صباحا وكان الم المخاض صعبا جدا ومن شدة الالم الذي كان ينتابني وفي تلك اللحظات كان زوجي قلقا وخائفا عليّ ورأيت الدموع في عيناهُ وهي ترقرقر وتنهمر منه كالسيل .
وكانت ساعات الولادة طويلة جدا تقريبا حوالي اثني عشره ساعه ، وفي الساعة الرابعة عصرا جاء المولود ، وكانت بنت جميلة ولم أصدق لما رأته عيناي عندما خرجت من رحمي ، وفي تلك اللحظه نسيت كل الالام والأوجاع التي كنت احس بها ، وكانت طفله جميلة كنور القمر وبياضها ناسع وشعرها أسود كسواد الليل وناعم مثل الحرير، وأتذكر سؤال إمرأة كانت معي في الغرفة التي ولدت فيها وسألتني هل أبو طفلتك ابيض ؟ فرديتُ عليها بسؤال أخر لماذا سألتي عن أبوها أبيض ؟ فقالت لي إنك سمراء وإبنتك بيضاء اللون . المهم جاءت رندا وهي طفلتنا وفرحتنا الاولي التي ملاءت حياتنا بالسعادة والفرحة يا له من إحساس جميل ورائع لم أحس به من قبل !!! لم أكن ادري بأن الأُم تتعب لهذه الدرجه في الولادة والحمل وتتحمل المشاق في تربية بنيها .
ولقد سماها أبوها رندا لما يحمل هذا الاسم من معني في لهجتنا التي تتحدث بها قبيلتنا ويعتبر هذا الأسم أصيل لدينا والمعني هو الحشائش الصغيره أي النجيله الخضراء ، أما في اللغه العربيه المعني قيل: هو شجر من أَشجار البادية وهو طيب الرائحة يستاك به ..
ومرت الأيام والشهور ورندا يشتد عودها وتكبر أمامنا كما ينموا الزرع ، والحمدلله علي نعمة الخلفه ، ولقد كانت رندا بنتنا ظريفه وأمتعتنا كثيرا وهي صغيره كانت نشطه ومرحه وكانت كثيرة الحركه ، وعندما أكملت عامها الأول بدأت تمشي ...
وأتذكر أيضا عندما كانت رندا في الرابعة من عمرها ذهبنا الي حفله وكانت للجاليه السودانيه وكانت جالسة بجوارنا أمريكيه من الأصول السوداء ، ورأت رندا تتحرك كثيرا وكان أبوها ملى من متابعتها وحركاتها ، فقالت لنا السوداء لماذا لا تأخذوا طفلتكم الي الدكتور لكي يعطيها إبرة مهدئه ؟ فغضب أبوها وقال لها أنا أحب طفلتي كما هي ، وأتذكر شيء أخر كانت نائمه وفجأه صحت من نومها وإنهمكت في البكاء وبحرقه ونحن لا ندري السبب ،لأنها لم تكن في وقتها تتكلم ولا تستطيع أن تعبر ما الذي جري لها ، فاتصلت بجارتي رقية التي تسكن معنا في نفس المبني ، وبعد دقائق من حضور رقيه تقيئت وأخرجت كل الذي في بطنها من أكل وحينئذ عرفنا ما بها ...
وكانت رندا دائما مبتسمة وتضحك لأي شخص سواء في الشارع أو في المواصلات العامه ، وبدأت رندا الكلام متأخرة فبعض الناس قالوا لنا ربما هي من الصم ، فقلقنا عليها كثيراً فأخذناها الي الدكتور فأجري لها الفوحوصات الكاملة فقال لنا إنها سليمه لا يوجد بها شي ، فقال عندما تختلط بالأطفال سوف تتحدث ، وفعلا عندما بدأت المدرسة وكانت في عامها الرابع بدأت تتكلم ومنذ ذلك اليوم لم تصمت ، وفرحنا فرحا كبيرا والله كنت خائفه من صمتها ، ولكن حكمة الله ورئفته بعباده ورحمته ...
وأتذكر كذلك تعلق رندا بصديق أباها وكان إسمه أدم وكان يحب رندا ومتعلق بها كثيراً ، وكان في رفقتنا في يوم ميلادها في المستشفي، وكانت رندا كإبنته تماما ، وكان يأخذها الي أماكن الألعاب ويأخذها الي المطاعم ، وتظل معه طوال أيام العطل ، كان أخ عزيز علينا ولكنه رحل من كندا وذهب الي لندن وكانت رندا تتذكره برغم صغر سنها ولم تنساهُ حتي عندما كبرت وتتذكر كل شيء كان يفعله لها .
فقط أحببت أن اسطر معاناة الأم في فترة الحمل وما يصاحبها وكذلك عن المخاض حتي الاخوه الرجال يقفوا مع زوجاتهم في هذه المده وكذلك أُذكّر الأبناء مايجري لأمهاتهم ، وأرجوا رندا ان تتذكر كل هذا التعب الذي تعبته من أجلها ، وسهرت الليالي وأتمني أن تكون اماً مثاليه في المستقبل وقدوة حسنة لإولادها وأتمني من كل أُم رزقت بأول طفل، أن تراعي طفلها جيدا وتهتم به ، وتربي بنيها تربيه صحيحه وقويمه حتي تحصد تعبها والمها الذي كانت تعانيه في فترة الحمل والمخاض .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق