بقلم الكاتب /محمد رمضان
إن العامل الثقافى يحتل
المرتبة الأهم للحفاظ على هوية الشعوب وصيرورتها وبقائها بل يُعتبر عاكسُ لحضارتها
وتراثها وعاداتها وهو عامل مهم فى حفاظ المجتمع على تاريخه وجذوره وفوق كل هذا فهو عامل ربط بين المكون الإجتماعى لمجموعةٍ
مُعينة وعامل توليف بين التكوينات ذات الأصول المختلفة والثقافات المتنوعة وأن
الأوطان لاتعنى السكن والإقامة والعيش بل هى مجموع ماذُكر أعلاه ، وبالتالى
فالثقافة والتراث يجب أن يُوضعا فى مرتبة الإهتمامات الإجتماعية المُلحة على مستوى
الفرد والجماعة وعلى الدولة مراعاة التنوع وحمايته ورعايته ودعمه وذلك
بأن تلعب
مؤسسات كوزارة الثقافة والإعلام وغيرها دوراً
هاماً فى ذلك وتُخصص الدولة ميزانيات للإرتقاء بالفن والتراث وفى ذلك تعتمد
المساواة لا التمييز بين مختلف الثقافات .
وفى أرتريا نجد أن الدولة
هى التى تُمارس القرصنة والتمييز والتغييب دون هوادة أومراعاة وكأن هذا الوطن لم
تُسكب فيه دماء الجميع وتُدفن على أرضه
أرتال الشهداء من كل مكونات شعبنا ..!
وعبر المقال سأتناول وضع
الثقافة والتراث والفن فى بلادنا فى ظل نظام أفورقى بصورة شبه عامة وفى شكل إشارات
علها تُوقظ أصحاب الضمير الوطنى لإعمال المساواة والعدالة فى العرض والإنتاج
لموروثنا الفنى الذاخر.
لاشك بأن النظام القائم لا
نرجو منه الإهتمام بالثقافة والتراث والفن ورعايته لأن هذا قطعاً تقوم به الأنظمة
التى تُوصف نسبياً بأنها أنظمة حُكم ولديها مؤسسات رغم تسلطها وعدم ديمقراطيتها فهى
تحافظ على شعرة معاوية فيما يخص نسيجها المجتمعى بإقامة نوعاً من العدالة طالما
لايمس جوهر بقائها فى الحُكم ! لكننا نلوم قيادات النظام والسفراء لعدم مراعاتهم لأبسط
الحقوق للمكونات الأرترية الباسقة التى يُفترض مراعاة فنها وتراثها فى العرض عبر
الإذاعة والتلفزيون والمهرجانات التى تُقام بالداخل وعبر سفاراتها بالخارج ونود من
هؤلاء إستحضار الضمير الوطنى فى ممارساتهم بُقية التعايش لأن الدولة ذات الثقافة
المتعددة لايمكنها أن تُدار بأليةٍ ثقافيةٍ واحدة وأن مصير مثل هكذا سياسة تخلق
حالة إحتقان بين التكوينات المتعايشة وهو الذى يجب أن نتجنبه لأن مسألة بقاء
الأنظمة التى تقهر شعوبها تتعارض وسنن الحياة فهى حتماً زائلة ويجب أن يبقى الحفاظ
على موروث التعايش منهجاً ومساراً وأن تاريخ تجاربنا ونضالاتنا ترجمت تلك المعانى
الرفيعة فى التعايش!
وعن التلفزيون الرسمى نجد
أن كل ما يتم عرضه من فن وتراث وتاريخ يتمحور حول التجرنية تراثها وفنها وفنانيها
حتى حين تجد خلصةً أغنية بالتقرى أو الساهو أو البلين تتذكر بأن هنالك تكوينات
أخرى تُشارك التجرنية وأعتقد حتى هذه تأتى على إستحيا من العاملين بالإذاعة
والتلفزيون، لستُ ضد التجرنية ومقارنتها ببقية اللهجات لكنه قطعا من حق أى مواطن أن
يجد نصيبه فى العرض لفنه وعاداته وتراثه عبر قنوات الدولة الرسمية بصورة عادلة وأن
تتم تناول قضاياه الحياتية على الأقل بلهجته أو بالعربية حيث أن معظم التكوينات الأرترية
تتفق عليها كلغة تفاهم فضلاً عن إقرارها فى أول برلمان مُنتخب فى ظل الإستعمار...
وأورد هنا شواهد بسيطة على الهيمنة
فذات مرة وأنا فى العاصمة أسمرا وفى إحدى زياراتى لها وجدت أغنية بالتقرى عبر
الإذاعة وأستغربت حيث أنك لا تجد لغةً أخرى غير التجرنية تملأ المحطات ولو كنت ضيفاً
زائراً من دولةٍ أخرى لظننت أنها أغنية مُختارة من أغانى الشعوب الأخرى وقس على
ذاك المنوال لبقية التكوينات ،
وفى زيارةٍ أخرى وبمدينة بارنتو وبمكتب تسجيل الشهداء
الذى يُفترض أن يُحترم القادمين إليه لأنهم إما أبناء شهداء أوأخوانهم أوأمهاتهم أوأبائهم
تتلقى الصدمة فقط لأنك لا تجيد التجرنية بالصورة التى تليق ! وبما أننى أتكلم
التجرنية دون إجادة وقدكان لنا شهيد نود تسجيله بدافع التدوين فى سجلات الدولة حتى
نُحافظ على حُقوقه الأدبية كشهيد وأثناء التحدث قلت للمسؤول (سمع إسكى) يعنى أسمع فأنهال على بكلمات التوبيخ على الرغم
من أننى ذكرت له أننى لا أعرف التجرنية لكن إعتذارى له بعدم معرفتى باللغة لم يلقى
القبول منه حيث أعتبر الكلمة إستصغاراً له ولمكانته مما دعانى أن أتعامل بحدية مع
موقفه وهدأ الموقف بتدخل أخرين !! صحيحُ بأن كثيراً من المسؤولين بالدولة ليست
لديهم مؤهلات إدارية وأن مستوى الوعى قليل لديهم لكن أضحت هذه الظاهرة نمطاً
وسلوكاً شبه مفروض فى التعامل مع المواطن الذى لايجيد التجرنية وأن الدولة تدعم
سياسة هيمنة لغة واحدة وتلقائياً ثقافتها وفنها وتراثها وتاريخها..
وعن الإحتفالات والمهرجانات
السنوية لاشك أن هنالك نوعاً مُقدراً من الإشراك تتم للتكوينات الأرترية فى
المهرجان السنوى كالإكسبو مثلاً لكنها موسمية وليست بالمستوى المطلوب وأنها تُقام
على سبيل الدعاية وليس غرضها وهدفها إشراك التكوينات الأخرى بُغية التطوير لأن من
يهدف التطوير والعدالة لايمكنه قطعاً سحب بساط الدعم منها على مدار السنة والإقبال
عليها وقت الحاجة مع توفير الرعاية والإهتمام والدعم لثقافةٍ مُعينة دون سواها .
وفيما يخص الجاليات وسفارات
النظام التى تشرفُ على تنظيم الإحتفالات والمهرجانات فهى قطعاً صارت الأكثر
تغافلاً فى تحقيق المساواة فى تنظيمها الإحتفالات بدل أن تكون أفضل من منظمى
الداخل ، وصارت تتلقى الإنتقادات التى وصلت فى بعض الحالات وفى بعض الدول حد توقيف
عروضها لأنها تمادت فى إجحافها على مكونات أصيلة لها مكانتها المعُتبرة فى الحضور
والإسهام الوطنى فيضطر بعضاً من شبابها للقيام بالشغب ومع أنه مرفوض بأى حال لكنهم
يُعذرون حين لاتشتمل المنصات الوطنية التى شكلوا فيها مع غيرهم إسماً لدولةٍ أرتريا
بالجماجم والأشلاء ولم يجدوا فيها مساحة فيما يُعرض بإسم وطنهم بحججٍ واهية وفى
يومٍ وطنى أوجدوه من العدم .!!
والغريب فإن معظم هذه
الإعتراضات يقوم بها من ينتمون أو يُحسبون على النظام مايدل على أن مسلك عدم
إحترام الأخرين حتى لغير المناهضين للنظام هو السائد وهنالك أكثر من حالات مماثلة
فى أكثر من دولة لا نحتاج لعرضها ونكتفى
بالإشارة إليها للإستدلال على الهيمنة الثقافية وهدم حقوق الأخرين .
وتناولى للإستلاب الثقافى
الذى يتم ليس غرضه محاربة التجرنية وتراثها وفنها فهى لغة غنية ومكان إحترام بل
أتمنى إجادتها كتابةً وتحدثاً ولدى رغبة جامحة نحو ذلك لكننى أرفض إجتثاث الثقافات
الأخرى عبر العمل على هيمنة لغة واحدة ثقافتها وتُراثها وتاريخها ..!
بالمقابل وعلى الرغم من
الواقع المؤلم فى إطاره الثقافى،
والتاريخى، والحقوقى، تشهد الأجيال الصاعدة إهتماماً بتراثها، ولغتها، وتاريخها، وحقوقها،
لتؤكد من خلاله الإرتباط بالوطن والإهتمام بقضاياه! كل ذلك فى تزايد وساعد التطور
التقنى وشبكات التواصل الإجتماعى فى ذلك مما يعنى أن غمط الحقوق الثقافية
والتاريخية تُولد دافعية الحفاظ على الهوية الخاصة لمكوناتنا فهل أدرك القامعون لحقوقنا ذلك....
مقالى
القادم بإذن الله بعنوان:
شبابنا
بمعسكر الشجراب والظلم المزدوج.. دعوة للتحرك.؟؟؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق