12‏/06‏/2025

أبعاد المصالحة بين الهقدف والتقارو

12.06.2025

بقلم / محمد امان ابراهيم انجابا

    إذا تتبعنا سلوك النظام القمعي في أسمرا وما يقوم به من تحالفات ومحاور، قد لا نجد له
أي تفسير سوى أنها تعكس مزاجية الرجل الحاكم. وإذا أردنا أن نشخص نظام الحكم، يتضح لنا الأمر جليًا، إذ نجده قابضًا على كل مقاليد الحكم، ويتخذ القرارات بشكل منفرد، فيعادي هذا ويصالح ذاك، ولا يتورع أن ينتقل من محور إلى محور بين عشية وضحاها، وقد يخوض غمار الحرب في أي لحظة على أصدقاء الأمس من أجل إشباع نزوته دون وازع أخلاقي، وفي سبيل ذلك يتم تجييش وتحشيد الشعب الإرتري.
ظللنا لأكثر من خمسة عشر عامًا نستمع لحديث هذا الرجل وأبواقه عبر كل الوسائل حول أطماع التغارو في إرتريا، ولم يملوا من تكرار هذه الأسطوانة المشروخة في كل مناسبة.
إلا أن الخطاب لهذا العام قد فاجأ الجميع حين ذهب ليتحالف مع أعداء الامس القريب. وذلك من أجل حشدهم خلفه لمواجهة أبي أحمد، أي صديق الأمس الذي كان قد سلمه قيادة البلدين عند قدومه إلى أسمرا في أول زيارة رسمية.
وكما هو معلوم منذ الاستقلال ظل الشعب الإرتري في حالة تجييش وتحشيد وتجنيد إجباري لصد عدوان الوياني، وبموجب هذه الحالة المواجهة الاستثنائية تم تعطيل كل الاستحقاقات الوطنية، وزج بالشباب في اتون حروب عدوانية قضت على الأخضر واليابس وعطلت عجلة الحياة بشكل كلي.
وها نحن اليوم مازلنا نواصل مشاهدة فصلًا آخر من فصول المسرحية، أي المصالحة الجارية.
إذا أردنا أن نصف الحالة الإرترية في الوقت الراهن قد يصعب علينا، فإن أسياس أفورقي والمقربين منه يعملون من أجل تحقيق أهدافهم الخاصة، والتي تم ادراجها في مشروع بيانهم(نحنان علامانا)، ان الوصول الى اهدافهم المعلنة في بيانهم تتخذ في كل مرحلة من المراحل منحا آخر، وفي سبيل تحقيقها لا يهم من يُقتل ومن يُشرد ومع من يتحالف.
الغريب في الأمر أن الحاضنة الشعبية التي كانت تقف خلف أسياس في عدائه للتقارو طيلة السنوات الماضية ، ها هي الآن أيضًا تقف الى جانب افورقي في تأييد ومباركة هذه المصالحة وتبرر لهذا التحول الدراماتيكي الذي يصعب استيعابه فضلا عن قبوله!!!
إن التحول السريع للحاضنة الشعبية والخلفية الاجتماعية، والتي لا تجد أي حرج في الانتقال مع رأس العصابة حيثما توجه، إنما يدل بما لايدع أي مجال للشك أن مستوى الوعي السياسي لديهم متدن لا يفرق عن مستوى القطيع فالوطن هو الزعيم والوطنية هي اتباع مايقول وطاعة مايامر ، ولاشك أن هؤلاء لم يكن لهم يوما قضية تتعلق بالوطن او سيادته، وانما كان ومايزال مشروعهم هو برنامج أسياس أفورقي،ولذلك تجدهم في كل الأحوال يصفقون لافورقي ويؤيدونه كي يظل أسياس على رأس السلطة لتحقيق تطلعاتهم وامانيهم غير الوطنية التي هي دوما على حساب الوطن، وقد رفعوا تمجيدا وتقديسا لافورقي شعار(هو نحن ونحن هو)!!!
إذا نظرنا بتمعن في طبيعة المصالحة وخلفية الصراع وفترة القطيعة والعداء، ولا سيما الدماء لم تجف بعد، يجعلنا ذلك نقف على أبعاد هذه المصالحة ومعرفة ما هي مآلاتها على إرتريا كوطن.
إن موقف أسياس أفورقي من خلال هذه الارتماء دون خوف ولا وجل يكشف أنه يقف على أرضية شعبية صلبة ذات بعد ديني وثقافي واجتماعي، ومهما دخل هو في دائرة نزاع أو صراع فإنه لن يفقد هذه الشعبية و التأييد والمناصرة، لأن افورقي يمثل هذا المكون وبيعكس تظلعاته، والخدمات التي قدمها لهم كفيلة بإعطائه هذا الولاء الأعمى والمطلق.
وأن الصراع الذي دار بين الوياني والهقدف في الفترة السابقة هو صراع نفوذ، وليس إلا، وأن التحالفات التاريخية لم يشبها أي شيء رغم الصدام والقطيعة.
لقد كنتُ قد كتبت في بوست سابق عند نشوب الحرب بعنوان (نهاية حرب تقراي والبداية المؤلمة)، وذكرت بعض النقاط من بينها أن مثقفين وقيادات بارزة في المعارضة المحسوبين على التقرنجية هرعوا إلى إقليم تقراي وأبدوا تضامنهم معهم، وجمعوا تبرعات مالية كبيرة جدًا، وهذه الخطوة كانت في سبيل ترميم وإصلاح ما أفسده أسياس أفورقي بين مكون التقرنجية في الضفتين.
وفي الطرف الآخر، أي في إقليم تقراي، قام بعض الإعلاميين بالترويج لإشاعات بأن المقاتلين الذين دخلوا إقليم تقراي من الجانب الإرتري كانوا مشلخين (طبح)، وكانت هذه الإشاعة بمثابة تبرئة لأسياس وحاضنته الاجتماعية من دماء التقارو وتحميلها لطرف آخر من المكونات الإرترية.
وأعتقد أن كل هذه الخطوة كانت تمهد لهذه المرحلة، وهذا يؤشر إلى مدى الوعي والفهم والمسؤولية التي يتحلى بها المثقف الذي ينتمي لمكون التقرنجية في إرتريا وإثيوبيا.
الخلاصة: إن الذي حدث بين التقارو والتقرنجية واختلاق الصراع ثم إعلان المصالحة، هي مجرد نزوات قادتهم ليس إلا. ونحن كشعب إرتري لم تكن لدينا أي مصلحة لا في الحرب ولا في السلم، ودفعنا ثمنًا باهظًا جدًا!!!
السؤال الذي يطرح نفسه: أين المثقفون وصفوة المجتمع من بقية المكونات الإرترية؟ وما هي رؤيتهم للمرحلة القادمة في ظل هذه المصالحة؟ وهل سيقبعون في ذات المربع ولا يستشعرون بالخطر القادم؟ أم أنهم خارج اللعبة وينتظرون ما تسطره الأقدار؟
في هذه المرحلة الدقيقة والحساسة من تاريخ إرتريا، أليس من باب الأولى أن نستخلص الدروس ونطوي صفحة الخلافات والصراعات الجانبية ونجتمع على كلمة سواء بيننا، ونجمع ما تبقى من قوانا ونتحد في مواجهة مشروع الهيمنة ونعيد التوازن المفقود؟
ألم تَرَوْا بأعينكم ما يحدث بين الهقدف والوياني؟ لقد تجاوز كل شيء وطوي مرحلة مليئة بالدماء والأشلاء، وتم وصف تلك الحرب من المجتمع الدولي بجرائم حرب. بينما نحن لم يحدث بيننا مثل ما حدث بينهم، ولم نصل إلى مستوى الصدام وإراقة الدماء، وللأسف نعجز لكي نتصالح ونتنازل من أجل رفع كاهل الظلم عن أنفسنا؟؟!!!!!
حقًا نحن بحاجة إلى مثقفين وقادة رأي عام لبلورة الخطاب العام، وضبط البوصلة، وخلق رؤية تعيدنا إلى الساحة، ونمثل فيها طرفًا لا أحد يستطيع تجاوزه أو المساس بحقوقنا...
فإن من يستجدي بأبي أحمد لكي يخرج من استبداد وقهر أسياس أفورقي، كالمستجير من الرمضاء بالنار...
يا هذا، إن الحقوق لا تُمنح ولا تُهدى ولا تُباع، وإنما تُنتزع بالقوة، فإذا انحنيت فالكل سيعتلي ظهرك، لا فرق بين أبي أحمد أو أسياس، فكلاهما من نبتة واحدة.
ما ضاع حق وراءه مطالب.
تحياتي وإلى اللقاء.

ليست هناك تعليقات: