20‏/06‏/2011

القذافي وقصة الموت

بقلم الاستاذ القانونى / سليمان صديق
نشر فى صحيفة الزمان
استقر بي المقام لبعض الوقت في غرب اريتريا حين شاء الله ان نتولي وظيفة عمل بالمنطقة في النصف الثاني من تسعينيات القرن الماضي، وكان احد الاصدقاء من خريجي (الجماهيرية العظمي)، يقيم في بلدة تكرريت المجاورة للمدينة التي كنت اعمل بها، هذا الصديق أهداني كتابا من تأليف العقيد القذافي، بعنوان (الارض الارض وانتحار رائد الفضاء).
وكان الكتاب عبارة عن مجموعة قصصية قصيرة، وقد استرعي نظري فيه قصة الموت، التي يصف فيها القذافي، (هادم اللذات) ويتساءل كذلك عن هويته، ويستدعي التراث العربي ممثلا في الشعر لاثبات او نفي صفة المذكر او المؤنث عنه.
ولا ادري اي نوع من انواع الموت، ما يواجهه هذه الايام الكولونيل، ولكنه علي اي حال يواجه موتا بطيئا، لايتزيا بزي الجندي الاريتري اوالايطالي،كما كان الحال إبان حملة قرضابية في عهد الاحتلال الايطالي التي ذكرها في قصته.


وعلي الرغم من ان العقيد كان يري في القصة ان الموت قد يأتي في اشكال متعددة، كأفعي سامة او قد يتزيا بزي الجنود الطليان اوالاريتريين الا انه لم يدر بخلده ان الموت قد يأتي اليه شخصيا عبر ثوار، يرفعون شعار المختار، (نحن لا نستسلم، نموت او ننتصر)، إنهم ثوار وليبيون اقحاح ولكن (ليسوا علي شاكلة ثوار الفاتح).


هذا وان العقيد او (القائد الاممي) الذي طالما اطلق علي نفسه (ملك ملوك افريقيا)، كانت قد تضخمت ذاتيته بشكل مفجع خلال فترة حكمه التي دامت اكثر من اربعين عاما، فأصبح بقدرة قادر كاتب قصة، بعد ان قدم للعالم كمفكر سياسي (النظرية الثالثة) في كتابه الموسوم بالكتاب الاخضر.
ولقد ذهب (عميد القادة العرب) في محاكاة الآخرين وتقليدهم بعيدا وبطريقته الخاصة والغريبة حين اسس جائزة القذافي لحقوق الانسان، وكان اول الفائزين بها بالرغم من انه كان ومازال من اكبر وابشع المنتهكين لحقوق الانسان في بلاده وخارجها.
ولعل خطبة وداعه الاخيرة المعروفة بـ (زنقة زنقة) وسلوكه علي الارض، يكشفان معدنه الاجرامي وروحه الشريرة، كما ان الذين عاشوا في جماهيرية القذافي يدركون مدي بشاعة الحياة فيها، ويعرفون العديد من صنوف واساليب اعدامات المعارضين في الساحات العامة.
كما ان (الاخ القائد) حاول ككل الدكتاتوريين تغيير كل شيء تقريبا في بلاده، ولم يوفر حتي رفات الشهيد عمر المختار الذي قرر نقله من مرقده في بنغازي الي بلدة (السلوق) في اقاصي الصحراء الليبية، في عمل عبثي يشبه الي حد بعيد اعمال صديقه الدكتاتور الاريتري (اسياس) السريالية، والذي طالما نقل بدوره رفات الشهداء من موقع الي آخر وسط اهازيج الرعاع والاتباع في مهرجانات حفر قبور الشهداء ومراسيم اعادة دفنهم، ولعل نقل رفات الشهيد، (حامد ادريس عواتي) مفجر الثورة الاريترية من موقع قبره السابق الي بلدة (هيكوتا) كان في اطار هذا السياق العبثي، علي الرغم من أن لكلا الدكتاتوريين اهدافهما المتباينة في هذا الشأن.
وعلي كل العقيد يواجه هذه الايام وضعا مأساويا بكل ما تحمله الكلمة من معني، الهروب منه قد لا يكون حلا، وفق قصته، لكن يدرك في ذات الوقت انه لا يواجه بنادق (موسكوف) العتيقة كما كان يواجهه احرار ليبيا ايام حملة الجنرال (مياني) في قرضابية، وانما يواجه حملة موت شرسة، تكتسي طابع صواريخ وطائرات اف 16 واباتشي. وهذه الحملة (لن تنتهي) الا بحملة علي التخلي من السلطة والصولجان، والذي يزعم انه لا يملكه، فهو قائد ثورة (وثورة لا تنتهي).
الثوار قادمون من كافة انحاء ليبيا، زاحفون باتجاه طرابلس، وقلوب الملايين معهم من أجل تطهير ليبيا من القمع والاستبداد والفساد، وهاهم (الجرذان) قد شرعوا في دك قصور الطاغية وحصونه، لكن الفرار ليس حلا فالموقف الصحيح هو المواجهة، اما الهروب حتي الي الخارج، فلا ينجي من الموت هكذا يقول القذافي، ويبدو انه قد اختار هذا الحل الذي يرسمه في نهاية قصته.

6/2011/ Issue 3929 - Date 20-

 
 
Azzaman International Newspape


هنا  ادناه رابط صحيفة الزمان التى نشر بها المقال:


http://www.azzaman.com/index.asp?fname=2011\06\06-19\778.htm&storytitle





ليست هناك تعليقات: