13‏/09‏/2013

مأزق الإسلام السياسي ...الحالة المصرية نموذجاً



بقلم/ عبدالواحد شفا
((Is not enough for you to have a good mind, but it is important to use it well)) dekart 
   
  ظللت ومنذ فترة أتابع عن كثب كل ما ينتجه قادة الإسلام السياسي في مصر من فكر وتنظير وبعد التأمل والتدبر في هذا المشروع ،خلصت إلى عدة اجتهادات أولا عند ما نتناول مأزق الإسلام السياسي لانقصد الإساءة إلى الإسلاميين كما يتوهم البعض  (ويحسبون كل صيحة عليهم ) وإنما نحاول فرز ومعرفة ماهو ثابت وبين التطورات
التي يمر بها هذا الخطاب ، ثانيا لم يجمع الله الملك والنبوة للحسين بن علي وهو خيار من خيار وسيد شباب أهل الجنة فكيف يجمعه لمن لا هم  لهم في الميراث الدعوي  إلا الحكم ؟ ثالثا اتضح لي كما أن السلفيين يعيشون أزمة مع الشرع السياسي أن الإخوان المسلمون  يعيشون  أزمة مع الشارع السياسي ، رابعا أن مستوى فكرالإسلام السياسي في مصر لم يصل بعد الى مرحلة استيعاب الواقع الموضوعي أو محاولة الارتقاء به ،ولم يستطع أيضا  التوافق والتعايش مع الواقع المصري بكل تداخلاته وتقاطعاته وتركيبته الاجتماعية المعقدة ،ولم يقدم لهذه التركيبة أي قراءات جديدة  تكسر الخوف المتراكم وتنزع الهاجس الموجود .
   من اجل ذلك كتبنا من قبل أن  الإسلاميين لايستطيعون تقديم تفسيرات جديدة للإسلام تتماشى مع ما عليه الوعي المجتمعي في مصر ،بل هم لم يصلوا إلى هذه المرحلة وإنما خالفوا ونازعوا الشعب في ماهوا معلوم من  السياسية بالضرورة ،ورفعوا المصاحف وشعارات الشرعية وتناسوا شرعية الأداء والقبول والسنة النبوية (لا يؤم الرجل قوما وهم له كارهون )، ولم يعملوا بفقه الموازنات في  المصالح والمفاسد ،وارتكبوا أعلى المفسدتين وتركوا الصغرى ،أيضا الذي غاب عليهم أنهم نسوا أنهم أصحاب دعوة
ورسالات كما هو في أدبياتهم ،وتعاملوا مع الحكم كغيرهم بكل كبر واستعلاء ،  كما كان خيار الحسن بن علي  في التنازل مثالا يحتذى به ، وطريقا يسلكه السائرون إلى الله على هدي النبوة ،على الرغم من شرعية الحسن بن علي كانت إجماعا بين أهل الأرض ،لكن النظرة الكلية للعمل الإسلامي  وفقه المآلات وحقن دماء المسلمين ولهذا كان التنازل اولى بالتطبيق ، وكره الحسن بن علي أن يصنع جاها دنيويا عل حساب جماجم المسلمين .
   لكن للأسف الإسلاميون الجدد جعلوا للشرعية دونها الأرواح والدماء ، وهذا يمثل فقها شديد الغرابة والتصور لايجد مكانا بين  المنظرين للاتجاه الإسلامي والحادبين على مصلحة الأمة ،بل يمثل خللا في بنية العقل الاسلاموي ويعكس مدى التخلف (والو رائية) في الطرح والمطروح ، 
النقطة المركزية لماذا كلما تأمر الغير على الإسلاميون ضاع الوطن أو حرق ،فهذا السيد الصادق المهدي نزع منه الحكم وهو ريئس منتخب ،لكنه عفا وتعافى ، ظل ينتهج نهجا مدنيا بعيدا عن العنف ، بل الإسلاميون في السودان من بعده  اضاعو البلاد والعباد، ولم يعملوا حتى بوصية أجدادهم ( جدودنا زمان وصونا على الوطن )، الذي نريد أن ندونه هو أن هنالك محاولات مستمرة لزحزحة المشروع الإسلامي من الساحة ، وهذا لا ينكره متابع  ومنصف لكن تبقى المسألة هي كيفية مواجهة الإسلاميون لهذا المخطط ؟ فالذي نراه كلما اظهر الإسلاميون زهدا وحكمة ، كانت النتائج لصالحهم ،والأمر الآخر أنهم إن فقدوا مشروع السلطة كانت لهم مشاريع أخرى ،فهناك  الميدان الثقافي والدعوي ومشاريع التنمية والبناء والمرأة والعمران والمؤسسات المدنية وتربية وتزكية المجتمع ( أقيموا دولة الإسلام في قلوبكم تقم لكم في أرضكم ) .
محنة الإسلام السياسي في مصر، انه استعدى جميع مؤسسات الدولة ، من المؤسسة العسكرية إلى القضاء والإعلام والأزهر الشريف ومكونات المجتمع من أقباط وشباب ومراه، واتجاهات فقهية وفكرية وسياسية واجتماعية ، فضلا عن شرائح أخرى من الفنانون والممثلون ،والحقيقة ان السياسي الحكيم لايخاصم ولا يتخاصم لان الأمر أمر دولة وسياسة ، وحنكة كل جماعة او تنظيم تقاس بمدى القدرة على إدارة كل هذه الاتجاهات في منظومة متماسكة متكاملة متفاضلة ، وكلها تسير في خطوط متساوية بلا محاباة او تقريب ، لكن الذي حصل أمر غريب لم يتحسبوا حتى لمصلحة الجماعة دعك من مصلحة الدعوة او الوطن ،في رأي ان الإسلاميون في مصر أضاعوا فرصة تاريخية لاتتكر ،بل ادخلوا المشروع الإسلامي في مأزق حقيقي لافكاك منه ولاخروج لابدفع ثمن باهظ وعالي الكلفة يدفعه الجميع ، ولا يمكن أن  يقع في هذا الخطأ التاريخي  ممن لهم تجربة  طويلة في العمل التنظيمي ،وان كان شأن الدولة وإدارتها لايقاس  بعقلية إدارة الجماعات والتنظيمات ومكاتب الطاعة والإرشاد .
ماذكر أعلاه يعتبر مضاعفات وانعكاسات للخطاب الاسلاموي  المعاصر والذي لم يصل الى مستوى التحديات ولم يراعي المكان والزمان فمصر ليست كغيرها بما تمثله من خصوصية الجغرافيا والتاريخ  ؟ فلا يعقل ان يسود خطاب يقوم على الحشد والتعبئة وشعارات حماسية  فارغة تدقدق مشاعر المسلمين ،وتبشرهم بالخلافة ؟ فكلنا شاهدنا وسمعنا الخطاب الذي ساد في رابعة العدوية ،فتعجبت كيف لجماعة نزعت منها السلطة في وضح النهار؟  وهي لم تستطيع أن تفعل شيئا ،ثم تأتي بعد ذلك تتوعد الناس بالوعد والوعيد ؟ فالخطاب الإسلامي ينبقي الا ينفصل من الواقع ففي حالات ضعف الأمة بنبقي أن يسود خطاب الضعف والعكس صحيح !الأمر الآخر أن الخطاب في رابعة العدوية لايمكن أيضا أن نضعه في خانة واحدة ؟ فهو متفاوت طبقا لتفاوت الجماعات واتجاهاتها الفقهوفكرية ،والحقيقة ان  الخطاب في مجمله كان خطاباً  دينيا متطرفاً بإمتياز مع ان الأزمة كانت سياسية ، فبدلا من إحياء خطاب ويرقي الى مستوى الحدث ويناقش الأزمة ويطرح البدائل ساد خطاب التخوين والتصنيف ، أيضا الذي اضر بالإسلام السياسي في رابعة ان الخطاب كان أسيراً لحشود الجماهيرية ،وتلك الحشود الجماهيرية في الغالب قلوبها مع الإسلام السياسي لكن سيوفها مع بني أمية ،وهذه لم تنفع من قبل الحسين بن علي ،ومن تأملاتي علي الخطاب الذي يكون علي اتصال مباشر بالجماهير يصعب عنه التراجع أو التنازل عنه ،ويغيب عنه الواقع ويسيطر عليه مفهوم الغالب والمغلوب .
وعليه أن الخطاب الإسلامي لايزال انفعالي  يتحرك في إطار عناوين غير مدروسة ،وهذا لامحال لايخدم القضايا المطروحة في الشارع السياسي  بل يضرها والرأي العام  يحتاج يحتاج إلى أسلوب جديد  يتميز بالتعقل والموضوعية والحسابات الدقيقة ،ولهذا سمعت احد المنظرين يقول ان علم السياسة من أدق وأصعب العلوم ،لكن في زماننا هذا ولج هذا الباب أناس تعجب لقولهم ،ومع أن الأزمة في مصر هي سياسية لاعلاقة لها بالإسلام وغيره ، حاول قادة الإسلام السياسي إنتاج خطاب (ديماجوجي) واسع الانتشار ليبرهنوا أن الأمر متعلق بعقيدة الناس وهوية الدولة الإسلامية .
صفوة القول أن الإسلام السياسي الذي يتعايش مع مرحلة الثورة بما فيها من محن وابتلاءات تمتد لعقود طويلة سرعان ما يسقط في مرحلة الدولة، فهاهي الجبهة الإسلامية في السودان شغلت البلاد بالشريعة وأول ما أتيحت لها فرصة الحكم حصل ماحصل ،وفي مصرنا  نجح الإسلام السياسي ثمانون عاما في النضال وفشل في عام واحد ، يقول البعض انه لم يفشل ولم يسقط وإنما اُسقط ،هذا جدل لا يسع الوقت للتفصيل فيه..!؟ الذي يعنينا من هذا كله ، أن على قادة الإسلام السياسي  أن يعوا الدرس وان يميزوا بين حظر القانون وحظر المجتمع ، كذلك بين اللعبة السياسية والواقع السياسي ، فالطريق الذي ساروا عليه لم يخرجهم من اللعبة السياسية  فحسب بل أخرجهم من الواقع السياسي كليا ؟ لكن الأمل معقود بأن تأتي أجيال جديدة منفتحة يكون لها الحظ الذي لم يحالف الآباء المؤسسون ؟ الذين نالوا حظا أوفر من السجن والتعذيب وهذا  بما يكون السبب الخفي وراء التصلب والشدة ، وهم لم يستطيعوا تجاوزه عفوا أو صفحا ، فهاهو ناجح إبراهيم المفكر المعروف وصانع المراجعات ، سجن أربعة وعشرون عاما ثم خرج لايحمل حقدا على احد ؟ وهذا الصنيع لا يفعله إلا الربانيون وأصحاب الهمم والمشاريع الكبرى ،ولهذا عوضه الله في الدنيا بالقبول والمحبة في قلوب الناس .ورزقه الله طرحا سياسيا متقدما متطورا ، وأصبح مقبولا في الأوساط السياسية كلها وهذه رفعة (بعلم السياسية) .
أن مشاريع الإحياء للمجتمعات تحتاج الى فكر ثاقب لايركن كثيرا إلي القضايا اليومية ، بل ينطلق منها الى فضاءات المعرفة وفق منظومة قيم ومرتكزات ثقافية وتصورات مستقبلية تسترشد بالسنن الكونية في الخلق. ونختم بمقولة ديكارت التي تصدرت المقال  (لايكفي أن يكون لنا عقل جيد ،بل المهم أن نستخدمه بشكل جيد ) .
بالله الإسلاميون الارتريون أخبارهم شنو...!؟             

هناك تعليق واحد:

Unknown يقول...

اتفق معك تماما و ارى انهم حتى فى داخلهم غير متفقين
http://ourlife31.blogspot.com/2013/12/blog-post.html