05‏/06‏/2013

جرثومة القائد " الرمز " مفسدة للعقول

بقلم / على سعيد
البداية صعبة ، وبداية الاستئناف لما تجاوزنا صعوبة بدئه أصعب من البداية الأولى!.وما بدأناه ونحاول خوض
الاستئناف فيه كان أمراً يتعلق بالمفاهيم الثقافية البحتة؛أكثر منه عن تناول حالة بعينها، وقطعاً لم أبيت فى نيتى استهداف شخصاً بعينه،أوالنيل من فئة بعينها كما يتصور بعضنا، فيختطف الموضوع بنية مبيتة بعيداً عن مراميه ومقاصده!كل ما أستهدفناه كان مناقشة مفهوم القيادة فى وعينا الثقافي وعلاقته بالرموز الوطنية المعبرة عن القيم الكلية، وهو ليس بالأمر البسيط، أنه موضوع معقد تتشابك فيه الموروثات الثقافية القديمة بالمفاهيم الحديثة الوافدة أو الوليدة من رحم التطور المجتمعى.! وكثيراً ما يحتدم نزاع يتسم أحياناً بالعنف بين موروث قديم يتشبث بمواقعه، ويخوض معركة بقائه الاخيرة، وبين الوليد أو الوافد الجديد الذى يندفع بقوة وحماس ليحتل مكانه المناسب فى المجتمع، بعد ان يزيل الرواسب القديمة من وعى الناس، ويزيح مراكز القوة القديمة فى النظام الاجتماعى القائم من طريقه! ولسبب موضوعى بحت، وأنا اهم الخوض فى تفاصيل الموضوع؛لاجلى الحقائق، ولأفند ما امكننى الفروق بين الاشياء الملتبسة فى وعينا العام..أود أن أبدأ من "بركة"مهبط الثورة، وحاضنتها منذ بداية الانطلاق الاولى.. والثورة بطبيعتها معنية بالتغير، تغيير المجتمع فى بنياته الاساسية؛ فى أقتصاده،  وثقافته .. وفى رؤاه السياسية وفى المقدمة منها كيفية ادارة شؤونه العامة، وطريقة اختيار قادته على كافة المستويات.. وهى معنية أيضاً بزعزعة ما أستقر فى العقول بالتوارث من مفاهيم بالية ثَبُتتَ بالتجربة زيفها؛ كتقديس ما لايجوز تقديسه؛ فالقائد كان قائداً روحياً أو مدنياً لا يجوز تقديسه، والاعتقاد بقدسيته يعيق التقدم، فالولى أو الشيخ أو القس.. مهما كانت تقوته أو زهده، وكان حيّاً أو ميتاً لا ينبغى تقديسه، ولا يستحق التقرب اليه ليعطينا ما لا يملك من النعم، كالصحة والذرية .. والمال! ومن المسئ أن نشد الرحال الى اضرحة الأولياء لمجرد التبرك بحفنة من تراب "نعفر" بها وجوهنا! وغير مجد أن نقرفص أمام الشيخ نستجدى بركته:
-       سيدى.. ولدى يفزع طول ليالى عمره، فامسح لى بكفك على رأسه؟!
-       سيدى ..ولدى شقى، فادعو له بالهداية والرشد!
-       سيدى ولدى يعانى من الحمى الليلية تمنعه النوم، ف "تف- تف" عليه من ريقك يشفيه!
والشيخ فى سجادته يستجيب لمطالبنا، فيمنحنا :" مسة من كفه ، ودعاء بــــ "تمتمته " السرية ..ونثراً من ريقه المبارك يشفى مرضانا! ويزيدنا من فضله تميمة تحفظنا من شرور الجن والانس!
    والقائد المدنى الذى ينبغى أن ينصاع لارادتنا من المعيب أن نكسيه جلباب القداسة الزائفة، ونتوهم أنه يملك قدرة خارقة تمكنه من تحقيق أحلامنا وأمنياتنا فى الحياة بضربة سحرية منه.. ومن مظاهر تقديس القائد أن نصبغ عليه القاباً ترفع درجته فوق مستوى البشر، ونضفى عليه هالة تحول بينه وبين نقد الناس لأدائه الوظيفي !
   كان ومازال أهلنا فى ارتريا يشدون الرحال لزيارة أوليائهم ومشايخهم بالوراثة، وهو أمر مسلم به وجرت عليه العادة ، ولا يدعو أبداً الى الدهشة ، مايزعج المرء حقاً أن يجد أناس من بيننا يرتادون الغرف "الالكترونية " للحوار أو اللهو.. وفى ادمغتهم مفاهيم من تركة الماضى، فمن يقدس القائد ويستنفر بعصبية بدائية للدفاع عن القدسية المزعومة، فانه لا يختلف كثيراً عن المواطن الذى يشد الرحال الى مواطن أوليائه أو أضرحتهم للتبرك؟!
    قبل انطلاق ثورتنا الوطنية المجيدة بقيادة فارسنا البطل " عواتى " كان فى "بركة " ،وفى كل أقاليم بلادنا يتم تنصيب القائد بالوراثة ؛ تنتقل القيادة من الأب الى الابن .. وتظل محصورة فى ذريته .. فــــ "دجلل " لم يجىء الى سدة الحكم - العمودية - عن طريق اختيار " الرعية " ، وانما أخذ السلطة من سلفه " غلابة " واحتفط بها بالقوة "الغالبة "، وجعلها حكراً على ذريته يتوارثونها فيما بينهم الى آخر "دجلل إغتاله أحد رعاياه فى وضح النهار! وماسرى تأريخياً فى طريقة اختيارالدجلل" فى" بركة "، وكيفية استمرارها فى ذريته ، ينطبق مع فروق طفيفة ، على حكام بقية الاقاليم والنواحى فى بلادنا ، فــــ " كنتيباى " فى الساحل الشمالى ، وفى " سنحيت "وفى أقاليم الهضبة ، هو "كنتيباى بالوراثة  !. و"الشوم" أو "النايب"ِ فى أكلى قوزاى أو سمهر .. و" السلطان " فى دنكاليا هم الأُخر  "شيم"  أو " نواب" أو "سلاطين"  بالوراثة أيضاً !.
    من حسن الصدف،  كان قادة الحركة الوطنية الحديثة؛ قادة الاحزاب السياسية من بداية نشوئها، ثم قادة فصائل الثورة الارترية كانوا – أغلبهم – ينحدرون من عامة الناس؛ فالقائد " عواتى" لم يكن من عائلة " الدجلل " الحاكمة تأريخياً فى "بركة" . ولم يصل الى قمة هرم قيادة جيش التحرير الارترى بالوراثة ، وانما كلف من زملائه ليكون  قائداً عليهم بالاختيار ، وهم لم يكونوا من قبيلته أو اقليمه وحده .. وأستمد مشروعيته باعتباره يجسد إرادة الشعب الارتري كله،  ويمثل رغبته فى الحرية من الاستعمار الاجنبي؛  وهى مشروعية يطلق عليها المشروعية الثورية؛ وقد أخذت بها شعوب غيرنا يومئذ.. ولم يكن تكليفه بأمر القيادة الى مدى عمره كله بحكم طبيعة الثورة التى تحمل أهداف التغيير الشامل، وبالتالى لا تسمح بأبدية القيادة فى شخص القائد المكلف مهما كانت موهبته القيادية أو علو درجة نقائه الثورى . ومن باب الاولى أن تمنع انتقال القيادة الى ذريته بالوراثة !. والقائد " عواتى " لم يمهله الاجل، ولم يطل بقاءه على رأس القيادة اكثر من سنتين على وجه التقريب! ولو أمد الله فى عمره وقدر له أن يحضر المؤتمر الوطنى الأول لجبهة التحرير الارترية؛  لنافسه اكثر من مناضل من زملائه فى مركز القيادة؛  ولخضع أمر أختياره مجدداً الى آلية المبدأ الديمقراطي الداعى الى المنافسة الحرة بين وجوه متعددة، وبالإحتكام الى ما تفرزه ارداة الناخبين الحرة عن طريق الاقتراع المباشر بالتصويت فى صندوق شفاف ثم فرز الاصوات الصحيحة بنزاهة وحياد .. وكالعادة المتبعة فمن يحظى باغلبية الاصوات تؤول اليه القيادة حكماً . أياً كان الحائز بالاغلبية .. فاحتمال فوز " عواتى " – فى ظنى – على منافسيه فى اللعبة الديمقراطية كان احتمالاً راجحاً؛  لسمعته الوطنية الطيبة ؛ ولكنه ليس حكماً قاطعاً بطبيعة الحال !!!
     كما أسلفنا ، كان اختيار القائد – العمدة -  يتم بالوراثة فى العهود السابقة ، ولم يسمح " للرعية " بأى شكل من الاشكال أن يبدوا رأياً فيه، وكان يستحيل عليهم أن يراقبوا اداء عمله العام، ويحاسبوه  ان تجاوز حدوده؛  وبالاساس حدوده كانت مفتوحة على مصراعيها، ومسؤولياته غير محددة بحدود ، ويداه طليقتان بلا قيد أو شرط .. وحقه  مفتوح بان يمتلك كل ما تقع عليه يداه .. وبالطبع ، كان الحلم فى المنام بخلعه يعد جرماً يستحق العقاب الاليم !!!!
     لا أدعى ، وليس بمقدور غيرى أن يدعى باننا قد انتقلنا بوعينا كلياً فى مفاهيمنا عما كان سائداً من وعى في أذهان اسلافنا القدامى ، فى كثير من المفاهيم التى تمس جوانب حياتنا . فان عقدنا مقارنة أمينة بالرصد الدقيق عن حالة وعى أجدادنا وعن وعينا قد لا نجد فروقاً جوهرية خاصة فى أمور القيادة ، فالتشبث بوحدانية القائد " الرمز "  والاعتقاد الراسخ بتفرده بالموهبه ، والالهام .. عن بقية المواطنين ، وسعينا الدؤوب لاصباغ الالقاب والرموز عليه بهدف اعطائه هالة من القداسة الزائفة ، وأن نلتمس أعذاراً واهية تمنحه مشروعية الاستمرار الابدى فى موقعه القيادى وتحصنه من اية مساءلة واجبة فى أداء عمله .. هذه الرؤية لا تختلف عملياً عما كان سائداً فى عصور " العمودية " الوراثية !!
مازلنا نراوح مكاننا، ولم نحرز تقدماً حقيقياً يميزنا عن أحوال أسلافنا، وما اكتسبناه فى ممارستنا العملية لمفهوم القيادة الحديث شيئاً ليس ذى بال، ومحدود جداً وينحصر فى الاجراءات الشكلية فقط! فلم يحدث فى تأريخنا المعاصر أن عزلنا قائداً تجاوز حدوده بالجرم المشهود أو بقصور واضح في كفاءته واستبدلناه دون ان ينهار الفصيل الذى يقوده،  ويمحى من الخريطة السياسية تماماً.فقادتنا يظلون فى مواقعهم حتى وهم فى حالة عجز عضوى تام يمنعهم من ممارسة مهامهم ، ولم نستطع بالسلم إزاحتهم، واستبدالهم الاّ بعد مماتهم..ونظل نقدسهم بعد الممات وكأنهم يقودننا " بالبركة " من قبورهم !!
  ألم يرتكب "افورقي" بحقنا جرائم شنيعة يوميا .. وبسوء قيادته انهار الوطن كله.. وبالاصل نحن لم ننتخبه حتي بالطرق الشكلية المتعارف عليها في الانظمة المستبدة، فقد تم اختياره بطريقة اختيار "البابا" وعلي وجه الدقة؛ فقد دعيت هيئة تفتقد المشروعية وطلب من اعضائها ان يختاروا ريئسا من بين الحاضرين؛ فاختاروا "أفورقي" بالاجتماع !! ولست ادري ما اذا اعلنوا النيجة "ببخ" دخان ابيض كما يفعل المجلس المقدس في اختيار "البابا" ؟!! المهم من تلك الساعة، وبتلك الكيفية المريبة في الانتخاب؛ فهو رئيس علينا أو على الرأي: "قائد رمز" لاتباعه يقدسونه باشد مايكون التقديس، وهم مستعدون ان يفدوه بارواحهم؛ ليظل يقتلنا ويهيننا وليس مهما عندهم ان يتهاوي الوطن ويضيع !!. وقادة جبهة التحرير الذين انتخبوا في المؤتمر الثاني وظلوا علي راس القيادة بعد ان انتهت مشروعيتهم الدستورية؛ وتشظي التنظيم الذي كان يملأ الساحة واصبح اثرا بعد العين! ولم نستطع ان نوجه اليهم سؤالا وطنيا مشروعا عن قصورهم أو عن جرائمهم ؟ أليس ضياع الجبهة جريمة وطنية تستوجب العقاب الشديد !؟؟ وبدلا من المحاسبة والعقاب مازلنا ننعتهم بنعوت القادة الرموز!!!!!
لماذا – اذن- قداسة القائد " الرمز " راسخة فى وعينا ؟ من اين تسربت الينا جرثومة القائد "الرمز" المفسدة للعقول ؟! هل لان مجتمعنا يقدس شيوخه بالوراثة وبالتقاليد ، وبالتالى نقلنا هذه القداسة الى قداسة القائد " الرمز" .. أم هناك سبب آخر أقوى من ارثنا الثقافى المقدس للمشايخ واولياء الله الصالحين ؟؟
      لا أستبعد بقاء رواسب قديمة من ثقافة الماضى تكمن فى قاع عقولنا وفى اللحظة المناسبة تستيقظ لتوجه سلوكنا وتثير فينا الغرائز البدائية كالعصبية العشائرية وحمية"العزوة"!
الثابت تأريخيا أننا تعرضنا الى حملة دعائية مكثفة طوال سنوات عمرنا ، وأخذنا جرعات كافية لتشوية وعينا، واعطاب آلية التفكير الطبيعى فى عقولنا، وكان هدف الحملات الدعائية المكثفة التى وقعنا تحت تأثيرها المباشر خلق طغاه من الحكام، وترسيخ جذور الاستبداد فى المنطقة من حولنا .. فقد ساد خلال الاربعين أو الخمسين عاماً الماضية خطاباً اعلاميّا ودعائيّا مؤثرا يرمى الى تشويه وعى المواطن، وصناعة دكتاتور "مؤله"! وبموازاة الخطاب الاعلامى والدعائى،أُعدّت مناهج تعليمية من شأنها غرس قداسة " القائد .." فى عقول الناشئة، فعدد غير قليل منا ردد فى طفولته برياض الاطفال :" أبوكم من..؟ قائدكم مَن ..؟ فارسكم من ..؟حارسكم من..؟! ومن عاش بالعراق رأى الجداريات الضخمة بصور القائد "الضرورة " تملأ الساحات والميادين العامة على امتداد خريطة العراق،وهى ترهق ميزانيته العامة ! واستمع مراراً الى أناشيد المدح المفرط للقائد "الملهم" ! وشاهد حشودا من الشعراء والكتاب والفانين فيما يشبه محج سنوى يتبارون فى تقديس "سيف العرب " وبانى مجد العراق.. وغير قليل من الناس أنطرب لأيقونة :" الى الابد الى الابد حافظ الاسد " وبامكاننا أن نقرأ الآن :" سيبقى حافظ الاسد القائد الرمز،هو رمزنا وعزنا، ومجدنا .. وأبونا "! ولا ننسى " المجاهد الاكبر" الذى حكم تونس بالحديد والنار وظل قابعاً فى السلطة الى ما بعد أن بلغ من العمر أرذله فأزاحه من العرش خلفه" بن على " ورماه فى مصحة عقلية لدار العجزة بعد أن ذهب عقله بالخرف كليا.. وخلفه" بن على " لم يكن خيراً منه فقد تفوق عليه فى السوء والفساد..!
   الأخ العقيد، والقائد "الرمز" والقائد الاممى،..، وملك ملوك أفريقيا كان على قدر عظيم من السوء والعنجهية يصعب على الذاكرة السليمة أن تنساه، وتنسى هلوساته الماجنة، وقد بلغ به جنون العظمة أن تلويحة أصبعه تحرك الملايين من اتباعه، ومقليده فى قارات العالم لتدافع عن ذاته المقدسة، ولتحمى سلطته المغتصبة أصلاً  ليرثها من بعده ابناءه بالتتابع..!
    هؤلاء القادة " الرموز" كانوا من عامة الناس فى بداية عهودهم. وبالتدريج تحولوا الى " انصاف آلة " يقدسون باسفاف يهدر كرامة الانسان ! وعملوا بمنهجية؛ بمنظومة اعلامية وتربوية مشفوعة باستخدام القوة المفرطة ليطوعوا إرادة الشعوب المقهورة،  واستطاعوا أن يحدثوا شروخا مدمرة فى العقول ! وحولوا الرجال والنساء الى "أرجوزات" راقصة تملأ الساحات والميادين العامة فى مهرجانات بيعة " القائد "الرمز" واعادة بيعته المكررة دورياً .. فى تزاحم مهين يثير الاشمئزاز ..!!
    آلة الدولة الحديثة التى عملت بتكامل منظم صنعت لهؤلاء القادة جاذبية لا تقاوم ، وخلقت اتباعاً من المقلدين يتماهون فى شخصياتهم، ويتخذونهم قدوة ، ويدعون لهم بطول العمر، ويحلمون أن يكون لهم قائداً شبيهاً بهم! وما نلمسه هذه الأيام من نرفزة عصبية زائدة ربما ناتج عن تأثر " المتنرفزين" بهؤلاء الرموز من القادة !!
   أليس واجباً وطنياً ان ننبه الغافل، ونحذر القاصد، لنمنع استنساخ قادة فى ارتريا يشبهون القادة "الرموز"الذين عددنا بعض اسمائهم وبعض صفاتهم ..!؟؟
    هل الاعتراض العابر فى زحمة " الدردشة" فى غرفة الكترونية على استعمال مصطلح بسيط :" الرمز " درجت الانظمة المستبدة وحدها تلصقه بقادتها يثير كل هذه الضجة العارمة ؟ لماذا الاستنفار الهائج والنرفزة المتلفة للاعصاب !؟. ماذا تعنى كلمة " رمز " لغوياً لتثير فى بعضنا الغضب ؟!. وهل يجوز ان نتخذ قادتنا رموزاً وطنية ؟. وما " رمز " الدولة الطبيعية أى دولة فى العالم !؟
    هذه أسئلة بسيطة ورغم بساطتها، يبدو لى تشغل بال بعضنا اكثر من انشغالهم بقضايانا  الاساسية ؛ وهى قضية الحرية والديمقراطية .. والعدالة الاجتماعية ..  وطالما يلح بعض أخواننا أن يجعلوها محور اهتمامهم..ويريدون ان يختبروا شجاعتنا المطعونه فى رأيهم..ما اذا نتجرأ بالاجابة على ما يعتبرونه سؤال التحدى : هل تعتبر القائد... رمزاً وطنياً ؟؟
   يمكننى بكل بساطة وهدوء أن أجيب على السؤال .. فليهدؤوا سائلىّ من روعهم !!!
   فى الاسطر السابقة ناقشنا مفهوم القيادة .. ولا بأس أن نناقش سوياً قرينه : " الرمز " ثم ندمجهما : " القائد الرمز " بعد التفكيك الذى أجريناه بغرض التحليل !!
   فى قاموس المعانى نجد: " الرمز " تعنى الايماءة والاشارة و" يرمز"الى الشىء بالعلامة؛  "فيرمز " الى الوطن بالعلم و" يرمز " الى السّلم بغصن الزيتون .
 والعلم  :  العلامة والاثر .
والعلم  :  الفصل بين الارضيين .
والعلم  :  رسم فى الثوب .
والعلم  :  سيد القوم .
   والراية واللواء مرادفان لمعنى العلم ؛ واللواء : عَلَم الجيش وسمى باللواء ؛ لانه يلوى لكبره فلا ينشر الا عند الحاجة .
   ما يهمنا من هذا التعريف اللغوى السالف للعلم فى موضوعنا : ثلاث معانى وهى :
إن العَلَم " يَرْمُزُ " الى الوطن، ويفصل بين الاراضى، ويميز الدول عن بعضها، وينفي صفة التطابق بينها. والعلم " رمز " السيادة والاستقلال الوطنى . والامم منذ فجر التأريخ خاضت حروب مصائرها تحت راية العلم ، فرسول الله ( ص) كانت له راية بيضاء يرفعها جيشه فى الغزوات والحروب .. وكان يحرص (ص) ان يحمل الراية الاشجع، والاخلص من صحابته الكرام، فقد أوصى فى غزوة " مؤته " أن يحمل الراية الصحابى الجليل " ثابت بن حارث" ولما استشهد تلقفها منه جعفر "الطيار " بيمينه ولما قطعت يده اليمنى حملها بشماله . ولما قطعت شماله حضنها فى صدره بعضديه النازفين دماً حتى أستشهد.. ولم يترك رسول الله (ص) وصحابته تسقط الراية من ايديهم؛ لأن سقوطها يعنى الهزيمة .. وكان لكل قبيلة فى الجاهلية رايتها تحملها فى حلها وترحالها لتفصل أراضيها ومراعيها عن أراضى ومراعى القبائل الاخرى ..!. ويعتبر المصريون القدماء أقدم أمة أستخدمت الرايات والاعلام " كرمز " وطنى لها " يرمز " الى الأمة المصرية ، حيث توجد فى المعابد المصرية نقوش تبين استخدامهم لرايات واعلام مصرية فى الاحتفالات والحروب . والعلم هو " الرمز " الوطنى الوحيد المجمع على رمزيته لكافة دول العالم منذ القدم . ويتضمن رموزاً دينية مقدسة أو علامات ثقافية ذات قيمة عالية .. فاذا ألقينا نظرة الى العلم الملكى المصرى من 1923 الى 1958 ؛ لنتعرف على مداليل رموزه نجده :
·        هو يُعرُف بالعلم الأهلى ، وهو العلم الأخضر ذو الهلال والنجوم الثلاث، وقد اعتمد فى 10/ديسمبر1923بعد تصريح 28 / فبراير 1922 و تحول مصر الى مملكة حرة مستقلة.
·        اللون الاخضر " يرمز " الى الخضرة ، والى الاسلام الذى تدين به الاغلبية من المصريين. بينما النجوم الثلاث تشير الى الاجزاء المكونة للمملكة المصرية وهى : مصر والنوبة والسودان أو الاديان الثلاث : الاسلام والمسيحية واليهودية. والعلم المصرى قد خضع الى تغيرات كثيرة .. ولكنه بقى " رمزاً " لسيادة مصر واستقلالها.. وبجانب العلم هناك رموز وطنية مصرية تبلغ خمسة عشر رمزاً تشمل: " العقاب . ومفتاح الحياة . ولوتس (نبات). وعين حورس . وهلال ونجمة .؛..، وعجلة مدفع ." ولم اجد فى قائمة الرموز الوطنية المصرية :"فرعونا أو ملكاً أو رئيساً او قائداً او عالماً.. فنانا، ومصر فى تأريخها وحاضرها حافلة بشخصيات عظيمة أسهمت فى الحياة العامة اسهاماً مقدراً كبيراً.. ومع ذلك لم يتخذ واحد من هؤلاء " رمزاً " وطنياً مخلداً مثل ما أتخذ : " عين حورس – عين القمر أو عين رع- ،..،  ومفتاح الحياة أو عنخ " وهو رمز الحياة الابدية !!
 وإذا انتقلنا من مصر الى الولايات المتحدةة الامريكية نقرأ : " خلال الحرب الاهلية الامريكية مثل هذا العلم الوطنية الامريكية ضد المطالبين بأنسحاب ولايات الجنوب حيث انه أصبح " الرمز " الوطنى " الوحيد " بعد ان فاز ابرهام لينكولن وقاد الولايات الى الوحدة.. والعلم الامريكي هو أول علم وضع فوق سطح القمر .." مما يعطى دلالة واضحة بأن سيادة امريكا تمتد الى القمر ايضاً ؟! وبجانب العلم توجد لامريكا رموز وطنية هى :
1-  العم ريموس : شخصية خيالية .
2-  العم سام : لقب و " رمز " شعبى يطلق على الولايات المتحدة الامريكية .
3-  بالله نؤمن (شعار) : تم اختياره شعاراً للولايات المتحدة الامريكية سنة 1956 .
4-  ختم رئيس الولايات المتحدة الامريكية : نلفت الانتباه الى ان " الرمز " الوطنى ليس الرئيس وانما ختمه.. لماذا ؟؟!
بعد هذا الاقتباس الموجز نسأل  سؤالاً وجيها يسترعى الانتباه : أين قادة الولايات المتحدة الامريكية العظماء فى قائمة رموزهم الوطنية؟ وأين مبدعيها ؟! وأين علمائها الافذاذ الذين أسهموا اسهاماً مشهوداً فى تغيير وجه العالم، واسعدوا البشرية – مع غيرهم – باكتشافاتهم العلمية الحاسمة .. لماذا لا نجدهم رموزاً وطنية لبلادهم؟؟؟
أردت ان اعطى أمثلة قاطعة؛ لأبين أن القائد مهما كان شأنه، ومهما كانت مكانته فى النفوس، ومهما عظم دروه الوطنى.. شىء ، و " الرمز " الوطنى شىء مختلف تماماً. وبهذا الحد نكتفى من الاستعراض .. ونجييب على السؤال : ما "رمزنا " الوطنى ؟؟ أو ما " رموزنا الوطنية ؟؟؟
وعلى الفور اجييب وبدون مواربة : " رمزنا " الوطنى هو: " علمنا..". علم  ارتريا وحده " يَرْمُز " الى سيادتنا الوطنية .. والى وحدة كياننا الوطنى، ويرفرف وحيداً فى ساريته بين اعلام دول العالم قاطبة؛ ليميزنا عن الاخرين وليعطى تأكيداً قاطعاً أن ارتريا دولة ذات سيادة على أرضها، وليست تابعاً لاى دولة اخرى في العالم، وهو وحده " السيد " المطلق على أرضنا ..!! وللعلم الارتري اشكال وألوان ذات دلالة " رمزية " وألوانه هى :
1-  اللون الاحمر  : و "يرمز" الى دم شهدائنا ، كل الشهداء من الجندى العادى الى القائد الكبير، ومن الطفل الضحية أو المجدوب الى العبقرى المتميز وكلهم فى القيمة الانسانية سواء " فنرمز" اليهم بدرجة لونية واحدة!!
2-  اللون الاصفر : وهو لون غصن الزيتون الذى يتوسط قاعدة المثلث الاوسط فى العلم، والذى " يرمز " الى السلام، واللون الاصفر" يرمز " الي الثروة المعدنية وعلى رأسها المعدن الحر: الذهب!وتراب ارتريا كله ذهب واغلى من الذهب!أما الاخضر والازرق فيرمزان الى ثروتنا الزراعية والبحرية !!
   أعرف أن محتوى هذا العلم الواقعى تدور حوله مناقشات مختلفة، ولم نجمع عليه، ويمكننا أن نجرى فيه تغييرات تلائمنا عندما يكون ذلك فى مقدورنا!!
يكفينا "علمنا" رمزا وطنيا، ويكفي قادتنا "المناضل" قلادة شرف في صدورهم، ونخلدهم حبا في قلوبنا، ونطلق اسماءهم في مرافقنا الوطنية تخليدا وعرفانا!!

اتوافقني الرأي ؟؟؟؟

ليست هناك تعليقات: