30‏/04‏/2016

المعارضة الارترية والخيار الصعب (5)

بقلم محمد امان ابراهيم انجبا
المحطة الثالثة :
المعارضة خارج اديس(حزب الشعب + سدرى + مدرخ )
* حزب الشعب الديمقراطي الارتري :
اذا نظرنا الى تركبية هذا الحزب نجده لا يختلف عن بقية المعارضة كثيرا اذ يمثل اغلبيته لون اجتماعى واحد ، وان الحزب يتبنى النضال السلمي اى المقاومة الناعمة فى اطار التنظير بينما لايوجد اى عمل يشير انه يمارس ذلك داخل الوطن وخارجه ، مما جعل الكثيرين يبدون ملاحظاتهم حول اداء الحزب ودوره السياسي فى الساحة.
ويتكون الحزب من فصيلين : فصيل خلفيته السياسية المجلس الثورى والاخر اقلية وخلفيته الجبهة الشعبية. ويوجد ثلاثة اجنحة داخل الحزب (جناح ود يسوس عمار ، جناح اسمروم ،جناح مسفن حقوص) الجناح الاخير يمثل الاضعف. وهذه التيارات وصرعاتها الداخلية أفقدت الحزب توازنه السياسي وانعكس على اداءه ، فان فريق اسمروم صار يغازل جبهة الانقاذ ويتبادل معها التحايا مع
التاكيد ان الطرفين يمثلون امتداد(للتيار) ، بينما فريق مسفن غير راضى عن التقارب الجبهجي مما دفعه للبحث عن رفقاء التجربة السابقة فى مدرخ ، وفى ذات السياق تمت دعوة مسفن عبر مدرخ الى لقاء نيروبي بصفته الشخصية مما اثار جدلا واسعا فى اللقاء بناءا على حضور اكثر من ممثل لحزب الشعب. فصار الحزب يجمع خلفيتان تاريخيتان متباينتان مما ادى الى ضياع بوصلته وضعف اداءه السياسي. فلم يستطيع الحزب ان يستفيد من هذا التنوع السياسي المثقل بتجارب مختلفة ويوظفها لصالحه.
كنا نتمنى ان تكلل هذه التجربة بالنجاح ولاسيما ان نجاح هذه التجربة تمثل مصالحة تاريخية بين خصمين سياسيين يمثلان السواد الاعظم من الشعب الارترى .
ان الحزب لن يصمد طويلا امام هذا الصراع العميق ذو الابعاد التاريخية وهذا يشكل اكبر مهدد داخلى له. وللاسف ان الحزب لم يلعب الدور المأمول منه فى الفترة السابقة ولم يساعد بقية القوة السياسية لتجاوز الخلافات الثانوية وكان يعول عليه كثيرا .
وبعد انعقاد مؤتمر الحزب الاخير 2015م خرج السيد مسفن حقوص غير راضي عن نتائجه، وصارت الانباء تتضارب عن استقالته، فقبل ميلاد مدرخ الى الساحة كان يخوض السيد مسفن معركة وجود سياسي داخل الحزب، الا ان مدرخ انعشت اماله واعادة اليه الزخم مرة اخرى هو ومن معه من فريق الشعبية وصار يتكأ عليها برغم التباين الذى بينه وبين مدرخ فى التعاطى مع اثيوبيا.
لقد قام حزب الشعب بعدد من المحاولات التى تهدف الى اقامة حلف سياسي مدنى خارج اثيوبيا وبالفعل نجح فى هذا الاتجاه بحشد عدد من المثقفين والمهتمين من ابناء التقرنيجه وغيرهم المتعاطفين معه، فقام بعدد من السمينارات، ودفعهم لتبنى منظمة مدنية وبالفعل تم تدشين منظمة سدرى التى تمثل الظل السياسي للحزب واتخذت مواقف سياسية داعمه له، وفى صعيد اخر وبمساعى من حزب الشعب وسدرى وغيرهم تم انشاء مظلة موازية للمجلس الوطنى واطلق عليها (منسقية القوة الوطنية الديمقراطية الارترية) فى العام 2011م خارج اديس ابابا. ونجح الحزب فى تخطى العزلة السياسية التى كان يواجهها باقامة مظلة ومنظمة مدنية تدعم مواقفه .
وواصل الحزب فى اثبات وجوده السياسي بتبنى سمينارات وعزز عبرها مفاهيمه الخاصة وسط الشباب ذات الخلفية السياسية للجبهة الشعبية، مما دفعهم لتبنى مهرجان بلونيا 2013 م تحت شعار (حلول ارترية لمشكلات ارترية) وكان الحضور غالبيته من الطرف الاخر ولم تقدم الدعوة لبقية المعارضة ومظلاتها الرئيسية. بينما شكل الحزب ومظلاته حضورا قويا فى المهرجان . وايضا قامت تلك المجموعة باقامة سمينارات اخرى فى عدة مدن اروبية بغرض التحضير لمهرجان بلونيا 2 وظهر خلاف بين الشباب وحزب الشعب مما صرف النظر عن اقامة المهرجان، ومن ثم شارك الحزب فى ورشة عمل بمدينة جوهانسبيرج بجنوب افريقيا فى العام 2014م.
فان هذه الورشة كانت تقف من خلفها قيادات مدرخ وكان هذا اول ظهور علنى لها فى الساحة. فظهور مدرخ جعل حزب الشعب يعود للساحة بثقل كبير ، وصارت مدرخ تتبنى رؤاه ، واعتقد جاءت مدرخ لتنقذ حزب الشعب الذى كان يواجه ركودا سياسيا وتكاد الصرعات تعصف به ، وكان للحزب حضور ساطعا وقويا فى كلا من ورشة فرانكفورت وملتقى نيروبي وشارك فيهما باكثر من وفد رفيع.
ان بعض الشخصيات الاكاديمية التى تحسب على تجربة الجبهة الشعبية وتنتمى الى ثقافة التقرنيجة تعتقد ان حزب الشعب يمثل الواجهة السياسية لهم، وان كل الجهود يجب ان تصب فى مصلحته ويسعون لترميمه وتعزيز دوره فى المرحلة المقبلة، ويعتبرون ان الحزب يمثل البعد الثقافى والاجتماعى لهم ولايفرطون فيه.
ان الاختلاف الذى طرأ بين شباب بلونيا لم يكن عقبة تمنع الحزب من الاستفادة من حصيلة جهودهم بل صار الحزب يتبنى مخرجات بلونيا وان هذا الخلاف يعد مجرد سحابة صيف عابرة ، لقد تم طرح تلك الاوراق فى لقاء نيروبي مقابل اوراق المجلس الوطنى.
فان كل الصرعات التى تجري داخل حزب الشعب والتباين الذى بينه وبين مدرخ وبين سدرى وبين شباب بولنيا فى بعض القضايا لا تؤدى الى ازمة تعيق العمل بينهما وهناك بعض النخب تعمل جاهدة لاحتواء اى صراع من هذا النوع وهذا الفرق بيننا وبين الطرف الاخر فى ادارته للازمة وتأجل الصراعات الثانوية التى من شأنها تعطل القضايا المصيرية.
*منظمة سدرى :
ان هذه المنظمة كما اشرت هى جزء من محور حزب الشعب وتعمل كظل سياسي ومدنى له وتمثل وجهه الاخر ، لقد تعرضت المنظمة لكثير من الانتقاد فى مواقفها السياسيه وكانت محل جدل واسع فى فترة التحضير للمؤتمر الوطنى الجامع بعد ان اعلنت مقاطعتها للمؤتمر على اثر عملية التحضير التى اثارها حزب الشعب ، وأتى هذا الموقف منسجما مع موقف الحزب ، ولم تستطيع هذه المنظمة ان تحافظ على خطها المدنى وتنفك من خط الحزب ، فاحيانا تندفع وتتبنى مواقف سياسية معلنة فى محاولة منها لدعم الحزب، مما دفع الكثيرين من اعضاءها تجميد نشاطهم والانفصال عنها مما افقدها البريق الذى اكتسبته فى بداية انطلاقتها .
فى الوقت الراهن لم يبقى فى المنظمة احد سوى رئيسها الاستاذ سليمان ورفيقه الاستاذ صلاح فان الاستاذ سليمان يتحمل عبئا كبيرا ويبذل مجهودا جبارا فى سبيل بقاء المنظمة واستمرارها وهو بالفعل كفاءة ارترية مشهود له ويتميز بالحنكة والمرونة ولديه طاقة جبارة ويعمل فى اتجاهات كثيرة ( الحقوقى والاعلامي والسياسي )، الا انه لم يستطيع ان يحافظ على الخط المدنى للمنظمة وفى بعض الاحيان يقوم بخلط بين الادوار السياسية والحقوقية ، ويجب ان نستفيد من مثل هذا الكادر فى خدمة قضايا الوطن ، للاسف عندما لم يجد الاحتضان من القوة السياسية التى يحسب عليها حتما سيلجئ الى اتجاهات اخرى تتيح لها الفرصة حتى يفجر طاقته ، وهى بالمثل تقوم بتوظيفه فى خدمة اهدافها.
* مدرخ :
لقد كتبت من قبل فى بوست منفصل عن مدرخ وتناولتها عبر استفهامات كثيرة، وحقا ان هذا الوليد الذى خرج من رحم الهقدف لم تتضح معالمه السياسية بعد ، ولا نعلم من يقف خلفه وهل هذا الجهة مدنية ام سياسية نحتاج لرؤية واضحة حتى نتعاطى معها بشكل صحيح .
ان الشخصيات التى تمثل مدرخ كانت تحسب على النظام الارترى سابقا وشاركت معه فى كل الجرائم التى ارتكبها فى حق الوطن ، وللاسف ان مدرخ قامت باستقطاب بناءا على الانتماء السياسي السابق للجبهة الشعبية وهذا ما يجعلنا غير مطمئنين لها.
فكيف لوزير كان يخدم نظام استبدادى يتحول الى النقيض بين عشية وضحاها وفوق ذلك يقوم برعاية المعارضة بينما كان بالامس القريب يتنكر لوجودها؟ فلابد ان يكون هناك فاصل بين المرحلتين حتى نستطيع ان نستوعب هذا التحول فى عملية التغيير.
للاسف هناك بعض الاخوة عندما نطالب الاعتذار من مدرخ يرون ذلك تعطيلا لعملية التغيير ، فصارت المعارضة تقودنا حيث تتجه على حسب مصالحها التنظيميه ، وها نحن اليوم امام مشهد اخر نجد انصار تلك المعارضة يدعوننا الى تجاوز الاعتذار من اجل (نيروبي2) !!...
لاشك ان الوزير الذى كان بالامس خادما للدكتاتور فى جعبته كثير من الحقائق التى كفيلة لاسقاط نظام اسمرا، وان التحاقه بالمعارضة لن يفيدها بشيئ طالما الصمت المطبق هو سيد الموقف ، ولن ينزعج النظام بوجود امثال هؤلاء فى المعارضة او خارجها ، طالما لزم الصمت ولم يبوح بشيء يفسد الود الذى بين وبين النظام ، فان لم تساهم تلك المجموعة فى تعرية وكشف جرائم النظام للراي العام فيظل موقفنا ثابت منها وان هذا الصمت يندرج فى اطار الوفاء والعرفان للدكتاتور وليس الا وان الاعتذار لا يعنى شيء من غير تصريح عن تلك الجرائم .
فان اول خطوة نطلب بها تلك المجموعة الاعتذار كحسن نية ومن ثم ان تقوم بكشف جرائم النظام وفضحه وهذا لايعنى اننا نحاكمهم او نعفيهم عن تلك الجرائم ، فان هذه المطالب من اجل ان يتجلى لنا موقف تلك المجموعة من النظام الدكتاتور ويتضح لنا انها فى مواجهة حقيقية مع النظام من خلال تصريحاتها التى تكشف الوجه القبيح للنظام الدكتاتورى وان التصريح عن جرائم النظام عبارة عن فاصل سياسي وليس الا .
ان الذى يقود مدرخ من خلف الستار السيد هيلى منقريوس ويعينه فى مهمته عند برهان و محي الدين شنقب ويعملان الاثنين فى غموض تام بعيدا عن الرقابة ولا يعلم احد عن مصادر التمويل والدعم الذى يجلبه السيد منقريوس ، وكثير من قيادات الشعبية التى كانت تنشط معهم فى اطار مدرخ جمدت نشاطها والقليل منهم مستمر بحثا عن دور سياسي فى المستقبل، وهناك بعض الاكاديميين من ابناء التقرنيجة الذين يبحثون عن دور سياسي يقفون بجوارهم ، ويعتمدون اعتمادا كليا على هيلى منقريوس الذى يتبناه الغرب ويدفعه للعب دور سياسي قادم . وان هيلى منقريوس يقود ساحة المعارضة على نهج اسياس الذى كان يتسم بالغموض وكان يرتبط بدوائر استخباراتية ابان الكفاح المسلح ولا احد يستطيع محاسبته ويفرض عليه الرقابة .
ففى الفترة الاخيرة بدأت الاصوات فى الغرب ترتفع من قبل صناع القرار لاحتواء النظام الارتري ودفعه للاصلاح السياسي بطريقة ناعمة ، وبالفعل كخطوة اولى قامت بعض الدول بضخ اموال طائلة فى خزانة النظام وهذا فتح شهية النظام لممارسة مزيد من البطش والعنف. فان الغرب يعمل وفقا لمصالحه وحساباته وان ملف اللاجئين الارتريين من احد الملفات التى يريد الغرب تسويتها مع النظام الارترى ، ونخشي ان لا يكون السيد منقريوس مدفوعا للضغط على المعارضة من اجل اجراء تسوية سياسية واسعة ويمثل النظام الاثيوبي طرفا فى هذه المعادلة ، ونخشي ان لاتجرى هذه الصفقة على حساب حرية الانسان الارتري وكرامته.ولاسيما ان ورشة فرانكفورت تناولت الانتقال السلمى للسلطة وربما يكون تمهيدا للدور الذى يقوم به السيد منقريوس فى نيروبي .
بينما تعانى المعارضة الارترية بازمة حادة نجد مدرخ تدخل فى الخط بقوة وتدعوا لملتقى نيروبي ، واثيوبيا التى حجبت مجموعة الستة من نيروبي تقوم بدعوة مدرخ الى اديس ابابا وبعد تلك الزيارة تقوم التنظيمات الستة بطلب وساطة من مدرخ فى ازمة المجلس وتبدى استعدادها للمشاركة فى نيروبي 2 بينما اثيوبيا تحجب المساعدة من المجلس وتشترط بمشاركة الستة فى المؤتمر القادم وتلك التنظيمات الستة تقوم برفع سقف مطالبها التعجيزية بناءاعلى الموقف الاثيوبي الذى يراهن عليها .
ومدرخ التى تواجه رفضا جماهيريا واسعا تقوم بانشاء لجنة اتصال من خلال لقاء نيروبي وهذه اللجنة تتكون من ممثلين للتحالف وحزب الشعب ومدرخ وجبهة الانقاذ وسدرى ، وللاسف ان هذه اللجنة وجدت نفسها محاصرة باسئلة من الجماهير فى اول ظهور لها فى كندا وتمت مطالبتها بان تتقدم مدرخ بالاعتذار للشعب الارترى ، وان مدرخ استخدمت لجنة الاتصال كدرع واقى لها ودفعت اللجنة لتبنى مشروعها دون ان تفصح عن برنامجها السياسي فى المرحلة القادمة واستطاعت ان تكشف مدى قبول الناس ورفضهم لها وكأن قامت بانشاء لجنة االاتصال من اجل استطلاع الشارع الارترى .
فى الختام نتمنى حزب الشعب وسدرى ومدرخ ان يقوما بلم شملهم وتوحيد صفوفهم قبل ان يتقدما بمبادرة للم شمل المعارضة ككل ، وان يدخرا هذه المبالغ المالية لمعركتهم القادمة مع النظام فى الايطار الاعلامى والدبلوماسي فهما فى حاجة اليها قبل الاخريين ، ان لم يكون الداعم مشترطا على مدرخ لصرف هذه الاموال فى جمع شمل المعارضة من اجل تسوية الملف السياسي مع النظام الارترى مقابل اعادة اللاجئين الارتريين .
اعتذر على الاطالة وعلى امل اللقاء بكم فى الحلقة القادمة ان مد الله فى العمر ..
... ما ضاع حق وراءه مطالب ....

ليست هناك تعليقات: