29‏/07‏/2019

المعارضة الارترية وضياع الفرص لانتزاع المواقف ( 2 )

بقلم / محمد امان ابراهيم انجبا
 هناك تحولات سياسية طرأت فى المنطقة وكان لها الأثر البالغ على الساحة الارترية بشكل خاص ،ولاسيما ثورتى السودان واثيوبيا ، ان اثيوبيا الامس ليس اثيوبيا اليوم واصبح ابي احمد حامل لواء التغيير فى اديس ابابا صديقا حميما لدكتاتور وطاغية اارتريا الذى يحكم شعبه بالحديد
والنار ، ان الاحضان والزيارات المتكررة التى تجرى بين الطرفين والمطالبة برفع العقوبات عن ارتريا والسعى لاعادة تاهيل وتسويق النظام الارترى ... حقا نحن كارتريين شعرنا بخيبة امل وحسرة كبيرتين ، الا اننا كنا فى حاجة لهذا الوضوح من العلاقة التى استمرت لاكثر من عشرة اعوام بين المعارضة الارترية والنظام الحاكم فى اديس ابابا سابقا ومن جهة اخرى بين الهقدف والتقراي ، للاسف ان اثيوبيا ( التقراى ) كانت تسعى جاهدة لحكر الملف الارتري فى كافة المؤسسات العالمية طيلة بقاءها فى الحكم وكانت تقوم بشبه وصايا على الشعب الارتري ، من فرض عقوبات وتشديدها وجمع المعارضة وعدم السماح لها بالاتصال والتواصل مع العالم الخارجي وكانت تسعى لكبح جماح الشعب الارتري ومصادرة ارادته وتعكس صورة خاطئة عنه للمجتمع الدولى فى مضمونها ان الارتريين غير قادرين لادارة وتسيير امورهم السياسية وبالتالى تصنيف ارتريا دولة فاشلة ....
بالاحرى انها لم تكون جادة او معنية باسقاط النظام الارتري وكل هذه الاجراءات كانت محاوله من التقراى لاعادة اسياس الى بيت الطاعه وتحجيم دوره دون المساس بالمكتسبات التى تحققت لمشروع تقراى تقرنيجا ...
ومع هذا الاستياء والتباس العلاقة بين المعارضة والتقراي فى بداية التغيير فى اثيوبيا كنا إستبشرنا خيرا وكنا نأمل ان يكون فاتحة خير لنا ولمنطقة القرن الافريقي بتتويج رئيس ديمقراطى خرج من رحم الثورة وهو يمثل ارادة شعب خاض تجربة سياسية ابهرت العالم باثره وان هذه الثورة جديرة بالاحترام والتقدير ولا تقل عن ثورات الربيع العربي بل هى امتداد له ، وبالرغم من ذلك كنا متخوفين كثيرا لما ستؤول اليه الامور فى اثيوبيا جراء هذا التغيير الطارئ ، وكنا نمنى انفسنا ان يمتد هذا الربيع الحبشي الى قلب ارتريا الحبيبة ، ومن خلال مشاهدتنا لمظاهر العلاقة الحميمه والحديثة بين الدولتين قطعنا الامل ووصلنا الى قناعه ان النظام فى اثيوبيا لن تكون بينه وبين المعارضة الارترية اى صلة وعلاقة بعد تلك الخطوات ، وصدمنا اكثر عندما طلب ابي احمد مغادرة المعارضة الارترية من الاراضى الاثيوبية وطلب من قياداتها ان تجلس فى المعسكرات وتتمتع باللجؤ السياسي من يريد البقاء منها ، وهكذا اسدل الستار على ملف المعارضة الارترية فى اثيوبيا .
اذا قمنا بتقييم وضع المعارضة الارترية التى كانت تستقر فى اثيوبيا بشكل عام نجد انها كانت تتفنن فى اضاعة الفرص واهدار الوقت وتبديد الطاقات ، وللاسف بعض القيادات المتوهمة كانت تمارس التضليل السياسي وتخدر الجماهير وتصرح بان لديها قوات عسكرية وان خيار العمل المسلح قائم وكان ذلك مبرر ا كافى للجلوس و الاقامة فى اديس ابابا ، وليس امامها اى خيار للمغادرة والابتعاد وان كان هناك خيار اخر ، وان اثيوبيا هى الدولة الوحيدة التى تسمح لبقاء المعارضة المسلحة على اراضيها . نعم فى البدايات كنا نقرأ بعض الاخبار والبيانات العسكرية عن معارك واحتكاك وتنفيذ عمليات داخل الاراضى الارترية وسرعان ما توقفت وانقطعت تلك الانباء ولم نعد نسمع اى اطلاق نار طيلة العشر سنوات من الاراضى الاثيوبية .. ياترى ماهى الاسباب التى ادت الى انقطاع اخبار العمليات العسكرية ؟ واين ذهبت تلك القوات التى كان يتبجح بها البعض ؟ وماهى الاسباب التى جعلت المعارضة الارترية تعجز من الاشتباك و تنفيذ عمليات نوعية ضد النظام ؟؟ وماهى الاسباب التى جعلت بعض القيادات العسكرية تغادر اثيوبيا ؟ ولماذا بعض القيادات العسكرية منعت من تصاريح المرور الى المناطق الحدودية واجبرت بالبقاء فى مناطق بعيدة عن الحدود الارترية ؟؟؟
بكل صراحة نحن كنا فى حاجة الى هذا الوضوح السياسي الذى يمارسه ابى احمد وان اقترب من الدكتاتور ووقع فى احضان الطاغية ، كما ذكرت انفا ان إلتباس علاقة المعارضة بنظام التقراي واختراق اسوارها جلعنا نطالبها فى وقت مبكر ان تغادر اديس ابابا وتحفظ ماء وجهها وتتصالح مع جماهيرها وتبحث عن موقع اخر بعيدا عن املاءات التقراى وممارساتهم الخبيثة وللاسف لاحياة لمن تنادى .
وبفضل التقارب الذى طرأ بين طاغية ارتريا وابي احمد ان كثير من الكيانات المجهرية التى صنعها نظام التقراي تلاشت واختفت والبعض منها لجأ الى مناطق التقراى ، فى الوقت الراهن ولم يعد لهم اى اثر فى الساحه سوى بعض الأبواق الذين دأبوا على الاساءات والتخوين وممارسة التشويش على الكيانات الوطنية وهم لا يقلوا سوءا من الهقدف فى التشويه والنيل من الاخريين..
فى نهاية المطاف نقول ( رب ضارة نافعه ) ...
ان الوضع الراهن بعد خروج المعارضة من اديس ابابا يملى علينا اعادة حساباتنا وقرءات واقعنا بشكل صحيح ، ويجب ان نقوم بإعادة ترميم وبناء صفوف القوى الوطنية الحادبة على عملية التغيير .
اقولها بكل صراحة لا يمكن ان نتبنى عملية التغيير دون ان تكون لدينا قوى مؤطرة تقود تلك العملية وتمثل الواجهة السياسية لنا كارتريين ، قد نختلف مع الكيانات السياسية القائمة فى ممارساتها والياتها وادواتها .
بكل امانه ان التنظيمات الحالية ان اولاياتها لم تعد اولوياتنا كجماهير ارترية وهذا ما جعل الكثير منا يتفرج او يختار العمل فى المظلات المدنية او ينشط كمستقل ، فمهما يبذل من جهد ونشاط ويبرز حراك شعبي ويتميز بالفاعلية من ( المراة والشباب ) قل ما شئت فيظل هشا وضعيفا وغير فعال ولن يحقق لنا التغيير الذى ننشده .
ان منظمات المجتمع المدنى بشكلها العام والمتمثلة فى الحراك الشعبي والحقوقي بمختلف اشكاله تعد رافد من روافد التغيير ومهما بلغت من ذروة ونشاط فلن تحل محل القوى المؤطرة للعلم ، هذه ابجديات العمل السياسي ، فعلينا ان ندرك نحن فى حاجة الى تمثيل سياسي اين كان .
فى الوقت الراهن ومع معطيات الساحة الحالية نستطيع ان نمارس الضغط على القوى الوطنية من اجل تصحيح المسار ونقوم بتبني عملية التغيير الديمقراطى ، فليس هناك تقراى لكى يستقوى بها البعض قد فات الاوان وانتهت اللعبة .
يجب على كل القيادات السياسية والمدنية ان تبدأ بفتح صفحة جديدة وتطوى الماضى الاليم ، وتتصالح مع الجماهير وتتبنى مبادرات وبالمثل تنفتح على جميع المبادرات التى تقدم من هنا او هناك ، ويجب قياداتنا السياسية ان تخرج من حالة العزل السياسي الذى فرضته على نفسها ، ويجب ان تظهر المرونة والفعالية وتتواضع وتتنازل قليلا ...
فهناك حراك شعبي يتمثل فى ( المرأة ، الشباب ، والحقوقيين ، والاعلاميين ) على مستوى القطر والاقاليم وهذا الحراك يجب ان نقوم بإستثماره وتوظيفه بشكل صحيح ، ويجب ان نكسر الحواجر بين هذه الفئات والكيانات المؤطرة ونعيد الثقة للطرفين ، ويجب كل طرف يعرف دوره وحدوده ومهامه فى عملية التغيير ، ويجب ان تكون هناك لوائح ونظم تضبط العملية السياسية ويتم تبنيها من الجميع من اجل ان ندفع بعجلة التغيير ونساهم مع من هم فى الداخل باسقاط النظام الدكتاتورى وعلى انقاضه نعمل من اجل انشاء نظام ديمقراطى تعددى يكفل الحريات وينظم الحياة السياسية ونحن كارتريين ليس اقل امكانية من بقية شعوب المنطقة ، نحن فى حاجة الى تقاسم الادوار دون ان ندخل فى دائرة الصراعات والمنافسات التى تقضى على العمل العام ...
ان التنظيمات السياسية لها مهام كبير وهى تمثل الواجهة السياسية ولا يجب ان يكون هناك صراع وتنافس بينها وبين منظمات المجتمع المدنى حول السلطة ومراكز النفوذ ، ان منظمات المجتمع المدني لها مهام محدد وعليها ان تقوم بممارسة الضغط على القوى السياسية فى حالة الإخفاق والتقصير وتعمل بالتنسيق والتعاون مع تلك القوى فى دفع عجلة التغيير ، ويجب ان نعمق هذه المفاهيم بين الشباب الارتري الذى يسعى للتأطير واقامة حركات شبابية ويجب ان يتبنى الشباب فى لوائحه ونظمه الداخلية هذه المفاهيم ..
غياب المجلس الوطنى فى زمن الحضور :
ظللنا نكرر فى الفترة السابقة ان المجلس الوطنى لم يعد قائما وهو فى حالة موت سريرى وفى غرف الإنعاش وفى بعض الاحيان كنا نصل لدرجة اعلان موته وتشييعه فكان البعض يغضب منا كثيرا . وعندما اعلن البعض انهم سيعقدون المؤتمر الثانى بمن حضر وبامكانيات ذاتية وخارج اثيوبيا ، كان الامر اشبه بالمستحيل وكانت النتائج واضحة قبل انعقاد المؤتمر من خلال الانقسامات التى شهدتها الساحة ، وتم الدخول الى المؤتمر الثانى عبر عملية ارتجالية ومجرد تحدى واثبات الذات للاخر دون النظر الى النتائج لم تكن عملية التحضير بالشكل المطلوب . وقبيل انقعاد المؤتمر الثانى كنا نشير الى ان المجلس فى نسخته الثانية لن يأتى بجديد وانما سيفقد زخمه وبريقه الذى اكتسبه فى اواسا . الا ان الاخوة القائمين عليه كان لديهم راي اخر ..
الان وبعد انعقاد المؤتمر الثانى واستمرار المجلس بوضعه الراهن وباختيار قياداته الحاليه والتى لم تكن جزء من الازمات السابقة ، نحن فى حاجة للتعاطى معه بهيئته وتشكيلته الحالية ، يجب ان ندفع قياداته لتبنى الحراك الشعبي والمساهمة فيه ايجابا ، وان تقوم بإعادة ترميمه بحيث يستوعب الاخريين ويصلح فى قيادة عملية التغيير ويكون الجميع جزء من هذا الكيان الذى يحمل اجندة وطنية خالصه ، هذا اذا اردنا ان نطلق عليه كيان ومظلة جامعه ونعيد اليه الزخم الذى عرف عنه ، وبالمثل يجب ان نحث الجماهير للالتفاف حوله وننشئ فروع ودوائر تتبنى رؤيته واهدافه .
وان نجعل هذه الدورة الثانية للمجلس الوطنى دورة اعداد وتحضير لخوض الدورة الثالثة بشكل افضل وتكون فيه المشاركة واسعه وثم نقوم بتطويره من اجل ان يستوعب المتغيرات فى الساحة ويواكب عملية التغيير ، ونتلافى التقصير الذى صاحب عملية التحضير للمؤتمر الثانى واعتقد هذا هو المدخل السليم اذا اردنا ان نحقق ما نصبوا اليه ، بدلا من تجاوز تلك القوى السياسية وتهميش دورها النضالى وصمودها الاسطورى امام كل العواصف يجب ان نمد ايادينا لها .
ويجب ان نحفز الحراك الشعبي القائم من اجل ان يستظل تحت راية المجلس ، وان نقوم بوضع خطط وبرامج ومشاريع تساهم فى تطوير وتوثيق العلاقة بين الطرفين ، وان تكون الثوابت الوطنية احد ركائز عملية التغيير .
يجب ان نقر ان الحراك الشعبي بمختلف مسمياته وواجهاته هو رافد من روافد التغيير ولن يكون يوما بديلا عن القوى السياسية مهما بلغ من درجة العطاء والنشاط والذروة .
حقيقة ليس لدينا خيار اخر سوى المجلس الوطنى كمعارضين وليس هناك اى جهة تضم عدد من القوى المؤطرة فى الساحه سوى هذا المجلس رضينا ام ابينا فان خياراتنا السياسية محدودة للغاية وعلينا ان لا نضيع الفرص ونفقد ما بايدينا ، وينتهى بنا المطاف ونحن نقبع فى الصراعات والانقسامات ، وان المجلس بوضعه الراهن وبعلله السياسية القائمة فهو مجلس ارتري خالص بعيدا من اى تأثير خارجى وخالى من الكيانات المجهرية وهذا ما كنا نطالب به القيادات السياسية فى السابق وبفضل الله وثم بفضل التحولات التى طرأت فى اديس ابابا قد تحقق مطلبنا فليس هناك مانع لدعمه ومؤازرته ، وطلما هذا المجلس يتوقف على دعمنا وتمويلنا لنا وبعيدا عن الاملاءات والتبعية نستطيع ان نصحح مساره ونملى علي قياداته ما نريد ونوظفه فى مصلحة قضايانا الوطنية وفقا لما نرتضيه نحن كارتريين ونستطيع ان نفك عملية الاحتكار والمحاصصة عبر الالتفاف الجماهيرى والشعبي ونختار فى الدورة القادمة اصحاب الكفاءات والمقدرات من ابناء ارتريا الخلص ونمضى عبره فى ثورتنا ونسقط تلك الزمرة الفاسدة التى حرمتنا من الوطن .

فى الختام نحن نحتاج الى إعادة قرأة لواقعنا السياسي ويجب ان نقف على المعطيات فى الساحة ونراجع إلياتنا وأدواتنا وان يقوم كل شخص منا بمسؤولياته حيال عملية التغيير . وان الساحة فى حاجه الى جهود الجميع دون استثناء وان التغيير الذى ننشده لن يتحقق الا اذا توحدت إرادتنا وصممنا على الإخلاص والاصرار وشددنا من عزائمنا ، ولنا فى الكفاح المسلح اسوة حسنة وتجربة طويلة ومريرة ، ونفتخر ان لنا ارث تاريخي رائد وليس فى حوجه لمحاكاة الشعوب او نسخ تجارب الاخريين ..
تقبلوا فائق شكرى وتقديرى لكم جميعا
ولكم العتبي حتى ترضوا واسف على الاطالة

ليست هناك تعليقات: