27‏/08‏/2015

مواقف تسربت من ثقوب الذاكرة المترهلة

( نساء اصحاب ايادى بيضاء ،، فضة عينه ، عائشة ادقوي ، زهرة برهى )
بقلم / محمد امان ابراهيم انجبا 

فى العادة لم اتناول القضايا التى تتعلق بالذكريات ان كانت ايجابيه ام سلبيه نسبة لسرعة ايقاع الحياة وضيق الوقت مما يصعب تناولها فى الوقت الراهن ، وفى بعض الاحيان ننغمس بعمق فى القضايا الحاضرة التى تعج بالاحداث المتسارعه ، بينما نحن فى امس الحاجه للوقوف على اطلال الذكريات التى تحمل فى طياتها جوانب جميله ذات ابعاد انسانيه ، فان المشاهد العالقة فى الذاكرة ذات الابعاد الانسانيه يجب ان نتيح لها وقتا وان كان قصير حتى نستفيد من الدروس والعبر التى استخلصناها من اناس كانوا نماذج فريده فى حياتنا ونفتقد لصفاتهم فى الواقع لراهن ، فان هذا البوست يتعلق ببعض الايادى البيضاء من نون النسوة اللاتى
كان لهن لمسات انسانيه فى المجتمع حينها ، نساء لامعات بعطاءهن واقدامهن ، يدخلن البيوت بلا استئذان ويملئهن فرحا فى غياب وحضور الام فانهن ملائكية الرحمة ، نساء من الزمن الجميل يستحقن الوفاء والتكريم.
بالامس كنت اتصفح على صفحة الفيس بوك واذ باخت تطلب منى الاضافة الى قائمة الاصدقاء ، فذهبت الى صفحتها حتى اتاكد ما ان كانت صفحتها صفحة وهمية لبعض ضعاف النفوس ام حقيقيه وتود التواصل معى ، ومن ثم وجدت الاصدقاء المشتركين بيننا عدد لاباس به من ابناء منطقتى ، فوافقت فورا على طلبها ، وبعد دقائق تواصلت معى عبر الخاص وسالتها عن اسمها ومن هى؟ فقالت لى انت لا تعرفنى وربما لا تتذكرنى الفترة طالت لقد تركتنى طفلة ومن ثم اخبرتنى انها بنت فلان وكانوا يسكنون بجوارنا ، فكانت الدهشة والمفاجأة!!!! ، حقا سرقتنى الى عالم الصبا والمدينة التى شكلت جزء من ملامح شخصيتى فثقبت ذاكرتى المترهلة وتسربت منها مواقف كنت احتفظ به سنين عددا ..
اها ثم اها ويا لها من ايام فانها لن تتعوض ولن استطيع استعادتها وان دفعت عمرى ثمنا لذلك ، فلم انسى تلك المدينة الراقده على ضفاف نهر الرهد المحفوف باشجار المانجو والجوافه الباسقه وتزينها اشجار النيم المخضرة الظليله ، ولم انسي يوما قط اطفالها وشيوخها وشوارعها وقطاطيها وخريفها الجميل الذى كنا ننتظره بفارق الصبر ، ذات الامطار الغزيرة التى يستبقها الدعاش فكان ينعش اجسادنا ونحن نصرخ ونركض الى البيوت قبل مجيئ المطر جاء المطر جاء المطر هيا اسرعوا !!!! والفضاء تكسوه سحابه سوداء مملتئه بحبات المطر ، ولم انسي غاباتها ومشاريعها الزراعيه ولياليها ومواسم الحصاد والنفير .... فانها المفازة تلك المدينة الجميلة ذات الطبيعه الخلابه والجغرافيه الساحره ، فانها انعكست علينا وعلى جميع من سكانها وترعرع ونشأ فيها وارتوى من ماءها وحتى من عبروا بها ، فتظل حاضرة بقوة فى ذاكرتنا وذاكرتهم فمهما ابتعدنا منها وابتعدوا عنها .
حقا سرقتنى تلك الفتاة الى ذكريات الطفولة والصبا واخذت معها وقتا جميلا وممتعا ، ووجدت نفسي مشدودا للحديث طويلا معها دون ملل ... فكيف لا اخذ معها هذا الوقت وهى طفلة نشأة فى بيت الانسانيه ، فهى بنت اختى التى لم تلدها امى وقد تركتها طفلة فى الثالثة من عمرها ، وهاهى اليوم يشتد عودها وصارت بنت كبيرة ، لم اتوقع يوما التقيها عبر هذا الفضاء الاسفيرى لظروف مختلفة ولم اتوقع ان تكون هى التى طلبت منى ان اضيفها فى قائمة الاصدقاء وتركتها ذات الثلاثة اعوام !!!!!!!!!!!! **الحى يلاقى **
( نساء اصحاب ايادى بيضاء ) 
،،،،،،،،،،،،، فضة عينه ، عائشة ادقوي ، زهرة برهى ،،،،،،،،،،،
لقد اجبرتنى رحلة الذكريات مع تلك الفتاة ان اكتب هذا البوست المتواضع واقف على الايادى البيضاء من نون النسوة ومن بينهن حبوبتها الخالة الفاضلة (فضة عينه) نعم إمراة فاضلة لانها لها الفضل الكبير علي وعلى الكثيرين من ابناء المنطقة ، بوقوفها معنا فى محنتنا وواستنا فى مصائبنا ،، فانها المرأة الفولاذيه ذات القلب الكبير ما ان تسمع بمرض احد فى المعسكر والا اسرعت لزيارته ، فتلتحف بثوبها وتهرول اليه مشيا على الاقدام لن تتمنع بدواعى حجة الامطار وظلام الليل الدامس ، فترابط بجوار المريض ولن تبارحه قط حتى يتماثل بالشفاء ، فتجلب الحليب الصافى الذى حلبته من غنيماتها فى الصباح الباكر والمساء وتقدمه للمريض بيدها التى يملاءها الحنان والعطف ، فى الغالب تجد المريض نفسه مسدوده من الاكل والشرب ، فيمتنع من التعاطى مع اى احد يقدم له شيئا من هذا او ذاك ، الا انه لا يستطيع ان يرفض او يمتنع من الشيء الذى تقدمه له الخاله فضة عينه ، فانها ترغبك فيه باسلوبها الجميل الممتلئ بالحنان والعطف الممزوج بالمذح وتخفف عليك وطأة المرض والالم الذى انهك جسدك ، ما ان تزور مريضا والا تجدها قد سبقتك اليه .. فتجدها فى كل المواقف مقدامه معطاءه فهى ذات يد بيضاء على الجميع فانها ملائكة الرحمة ، فتجدها فى مقدمة المجتمع عندما يحل الحزن ضيفا فى البيت ، فانها ترابط بالمبيت بجوار المريض ولم تغادره قط ، فاذا عرفت انه فى الايام الاخيرة ، فتقرأ عليه ما تيسر من القراءن وتسهر بجواره وبالمثل تقوم بتخفيف وطأة الحزن على ذويه ومن ثم تقوم بواجب الغسل والتكفين ، فمعظم النساء اللاتى فاضت ارواحهن فى معسكر المفازة فنجد الخالة فضة عينه حاضرة بجوارهن واغسلتهن وكفنتهن .. ولم تبارح منزل الفقيدة حتى يتم رفع الفراش وتواسى الاسرة المكلومه وتحاول ان تغطى مكان الراحله لبعض الوقت حتى يخرج ذويه من حالة الحزن والبكاء ...
اما الخالة الفاضلة /عائشة ادقوي اسال الله ان يمد فى عمرها ان كانت على قيد الحياة ، فانها انسانه من ذات العقد الفريد صاحبة يد بيضاء ومعدن اصيل ، فكانت تجوب المعسكر على مدار الساعه وتدخل البيوت وتهدي البسمه لساكنيها والطمئنينه والسلام لمن حولها ، بالرغم من اختلاف اللهجات واللغات الا انها لم تكن حاجزا بينها وبين الاخريين ولم تعجز بالتواصل مع الجميع . فلم تمل من الزيارات وكانت تطمئن على صحة وحياة السكان بمعسكر المفازة ، وهذا كان بجانب وظيفتها بالمستشفى اى الرعايه الصحيه .. فترشد الجميع باهمية الوقاية الصحيه من الامراض المعديه وتقوم بواجبها و مسؤوليتها نحو المجتمع بالتثقيف والممارسة العمليه فى التوعيه الصحيه ، فانها كانت كادر صحى متقدم وتتفوق على حملة الشهادات الطبيه بخبرتها وممارستها العمليه وايضا لقربها من الناس واحتكاكها المباشر بهم . 
فحب الناس هبة يمنحها الخالق لعباده ،، فمنهم من يصل الى قلوب الاخريين بخدمتهم لهم او باخلاقه وسلوكه الحميد ،، فكانت الخالة عائشة ادقوى تجميع بين هاتين الخصلتين فتمنح الناس الحياة ويمنحونها الحب والود ،، فاحبها الله بحب الاخريين لها ، فكانت ام الجميع والجميع يشير اليها انها الخالة الفاضلة عائسة ادقواى .. 
اما الخالة / زهرة برهى رحمة الله عليها واسكنها فسيح جناته فكانت لها يد بيضاء على جميع النساء اللاتى حملن اطفالهن فى بطونهن تسعة اشهر ووضعن فى بيوتهن بمعسكر المفازة ، فاذ تجد الخالة زهرة برهى ترابط بجوار النساء الحمل فى الايام الاخيرة من الولادة لثلاثة ايام وما يزيد وقبل تلك الفترة تطمئن عليهم وتزورهم باستمرار حتى ياتى وقت المخاض ، فتراها تحمل حقيبتها مساء وصباح وتهجر منزلها مرغمة وتنتقل من منزل الى منزل من اجل تخفيف الم الفتيات الارتريات اللاتى ينتظرنا مولودا يضاف الى الاسرة ، فكل النساء اللاتى يوشكن على الوالدة يطلبن الخالة زهرة برهى ولايطمئن الا بوجودها قربهم فى تلك اللحظات وان كان بجوارها طبيب مختص فان وجود الخالة زهرة يطمئن لها القلب وترتاح له الانفس فانها كانت بشوشه ولا تفارقها الابتسام ولا تتأفف وتتعفف من اخذ الاجر مقابل الخدمات التى تقدمها للنساء ، مما يجعل النساء يلجأن الى حيل وطقوس خاصه حتى يكافئن الخالة زهرة على سهرها وتعبها معهم ،،، فان الخالة زهرة برهى كانت ام للجميع وكانت تتكأ على رصيد من الخبرة والممارسة العمليه فى تخصصها وبالذات مع حالات الوالدة المتعثرة .
فاحيانا تجد امرأة تخوض الم المخاض فى اخر الليل فيهرول وبهرع زوجها لطرق باب الخالة زهرة فلم تتضجر ولم تتذمر فاذا هى بابتسامه عريضه تقابله وتقطع نومها وتستجيب لاستغاثته وتحمل حقيبتها وتسبقه هرولة الى منزله حتى تنقذ حياة تلك الزوجه التى تخوض المخاض .... 
فى بعض الاحيان يصادف ان هناك اكثر من امرأة تخوض الم الوالدة فى المعسكر ويتعثرن وكلاهن يتسابقن الى منزل الخاله زهرة من اجل ان تكون بجوارهن تلك المرأة الحنونة والعطوفه ذات الوجه البشوش ، فكانت تجد نفسها فى موقف يحسد عليها ترضى مين وله مين !!!!! ولكنها كانت تفعل ما بوسعها حتى تنقذ حياتهن جميعا ، وعلى وجه الخصوص كانت تعطى الاولوية للفتاة البكر ولاسيما اكثرهن مختونات فرعونى ويعانينا معاناة قاسية فى اول ولادة احيانا بعضهن ينتقل الى السماء فى اثناء المخاض... الا رحمه الله على ام الانسانيه زهرة برهى واسكنها فسيح جناته مع الصدقيين والشهداء ... انا لله وانا اليه راجعون ...... 
فان الامهات الثلاث اللاتى ذكرتهم قدمن نماذج انسانيه فرديه ممزوجه بمعانى التضحيه والعطاء وبقينا فى ذاكرتنا كجيل عرفهم بعطائهم واقدامهم من اجل انقاذ حياة الاخريين ومواساة البيوت التى فقدت الام والاخت، فانهن امهاتنا الفضليات فكل شخص كان يقييم بمعسكر المفازة هكذا يعرفهم ... 
ليتها الايام تعود مرة اخرى ونلمس تلك الجوانب الانسانيه من جيلنا الذى تربي وترعرع على ايدى تلك الامهات الفضليات اصحاب الايادى اليبضاء ...
سلام سلام من المنفى لمفازة الخير واهلها الطيبيين الانقياء فان حبكم ملأ الفؤاد وفاض والشوق اليكم ادمى القلب واعياه والدمع صار سيلا جارفا لبعدكم وفراقكم ،، فان المحبة والوفاء صار عنوان الانتماء اليكم والى ارضكم التى احتضنت جثمان اعز اناس الينا . .......

ليست هناك تعليقات: