25‏/04‏/2011

مقدمات في ثقافة الإستقالة

بقلم / عبدالواحد شفا

قبل اعوام مضت قدم الوزيرُ السابق ورئيس مجلس الوزراء اليوم السيد عصام شرف إستقالته من منصبه (وزير للنقل ) على إثر حادث مروري  ادى الى مقتل عدد من المواطنيين ،جاءت هذه الاستقالة تعبيرا للشعور الداخلي وإحساساً منه بالتقصير تجاه المسئولية ،لكن إستقالة عصام شرف  في وقتها كشفت ردود متباينة بإعتبارها أولاً ادباً غير موجود وثقافية لم يعرفها ويألفها الناس ،ثانيا هذا مسلك لم يسلكه السابقون من قبله ؟
   هذه الحادثة جعلتني اتأملُ واتفكرُ في واقعنا السياسي وهو الاكثر استحقاقاً لمفهوم ثقافة الاستقالة ؟ الغريب في الامر أن الاستقالة في الغرب  لاتتمُ في حالات الاحساس بالفشل فحسب ،وإنما تحدث ايضا في حالات النجاح ، بمفهوم الانتقال الي مشاريع إبداعية اخرى ،فهذا هو السيد Ivan Willyamz  مؤسس موقع twitter  الشهير ، يقدم إستقالته  بحجة ( لا يمكن حبس طموحه  في مشروع واحد )  هذا المشروع الواحد هو twitter وما ادراك ما تويتر ؟ إذا الاستقالة هي سلوك حضاري رفيع ،وثقافة  متقدمة في فهم الوظيفة العامة ، ومن ناحية اخرى تعني القناعة والثقة بالنفس ،واحياء مفهوم التبادل والادوار ،ومن هنا نجد ان ثقافة الاستقالة شائعة وراسخة في المجتمع الغربي خاصة في عالم السياسة ،وكم من ناخب لم يستطيع الوفاء بالتعهدات التي قطعها امام الناخبين يجد في الاستقالة  متعةً ومخرجاً ، ولما كانت  السياسة في واقعنا العام هي وظيفة من لا وظيفة له ،ومهنة من لا مهنة له دخل عيها الناس افواجا من غير حياءٍ يمنعهم ، بحجة حرية التعبير والتنظيم ، وأن عدد التنظيمات اكبر من الوطن نفسه (لو كانوا يعلمون )، قد يظن البعض هذه نظرة تشاؤمية في غير موضعها ، وقد يكن الحق معهم ؟ لكن  السؤال المطروح ما  هو سر هذا التيه في الارض ؟ اكثر من اربعون عاما ً ، نقول اسراه كثيرة منها إنعدام  ثقافة الاستقالة ، وكذلك ما يمكن ان نسميه( إحتلال المواقع ) حيث أن النخب في الغرب هي التي تفكر وتخطط للمشاريع الإستراتيجية في مجالات الدولة والتنمية البشرية والبيئية ،وما السياسيون إلا عناصر مساعدة ومنفذة ، لكن أزمتنا السياسية تتمثل في  أن السياسيون عندنا إحتلوا مواقع  النخب ؟ (في حين غفلة من اهلها ).
  هنالك قيادات سياسية  كنت اظنها من الاموات ،ولما كبرتُ وجدتها امامي من الاحياء ، هذا الامر لا يعني  اننا نقلل من شأنها ، كلا ثم كلا ،وهم جزء من التاريخ  بذلوا ما بذلوا وهم مشكورون على هذا البذل والعطاء ،لكن لايمكن بأي حال من الاحوال أن تتحكم قيادات معينة على المشهد السياسي الارتري أكثر من اربعة عقود ؟ ونحن هنا لا نقدم محاكمة ولا نطلب محاسبة ولا نجري مقارنة  بين نسب النجاح والفشل لهذه القيادات ، فقط نطالب بإحياء ثقافة الاستقالة ،وهذا حتى لا يرفع الناس  شعار ( الشعب يريد إسقاط المعارضة ) وربما يكون الحل في غير هذه القيادات ، كنتُ قد احسنتُ الظن بقيادات التيارات الاسلامية بإعتبار أنهم الاقرب لنماذج الاستقالة ، لكن وجدتهم  الابعد  في الامور كلها .
  اذا هذا المقال المتواضع  يعتبر دعوة مقدمة لكل القيادات السياسية القديمة والحديثة للمشروع  (ثقافة الاستقالة )، بما أن الاستقالة لايطلبها الناس طلبا ،وإنما تنبعُ  تلقائيا من صاحب الضمير الوطني ، والاحساس بعظم المسئولية والامانة والتكليف، لكن فألنا كبير في أن تجد هذه الدعوة قبولاً حسنا وتفسيراً أحسن .
  وأن المتقدم الى الاستقالة لا يعني الاستغناء عنه ُ، وإنما يتحول الى واجب آخر و محور  آخر، وأن ميادين العمل العام متعددة متنوعة بحسب تعدد وتجدد الحاجات والزمان ولا تنحصرُ في باب  واحد ، ثم ثانيا هذه دعوة للتجديد والخروج من النمطية والقوالب الجاهزة ، وضخ دماء شبابية جديدة ، بأفكار ورؤى جديدة ،تستفيد من خبرة هؤلاء القادة المستقيلون ، وعليه هذه محاولة  تشخيصية للواقع والمأزق  السياسي الذي نحن فيه ، فقناعتي ان  الضلال السياسي الذي اصابنا مرده ومرجعه  الى (إحتكار الموقع ) وعدم إفساح المجال للاخرين ، الامر الآخر كيف لنا أن نطالب نظام هقدف ورجالات سلطانه بالتبادل السلمي للسلطة والموقع ،ونحن لا نمارس هذا الامر ولا نطبقه على انفسنا في مرحلة النضال والعمل المعارض .
  كنت قد قررت أن انشر استبيانا بين الناس لمعرفة اتجاهات الرأي العام لهذا الموضوع ،لكن إستحضرت أن  تعليقات القراء هي نفسها إستبيان ومقياس يمكن الإعتماد عليها بصورة عامة ، لاسيما أنها تتجه الى الافضل ،وكثير من التعليقات تعتبر إضافات حقيقة وملاحظات ضرورية ،فيها تنبيهُ للكاتب وترسيخ ُ لمبدأ الحوار والنقاش والاخذ والرد.
 اخيراً اقدم هذه القصة وهي تدور في محتواها ومضمونها حول ضرورة  الاستقالة ،وهذه القصة ذكرها الدكتور التيجاني عبدالقادر وهي دالة على التحديث والتجديد في الموقع والمنصب ، وأن نظم الادارة الحديثة تنظرُ الى الاستقالات في داخل المؤسسة كعامل صحي ومؤشر عافية .
يقول الاستاذ  نوئيل تيشي  استاذ الاعمال  بجامعة متيشيجان ، انه قد جاء يستشيره ذات يوم من عام 1991 مدير لاحدى شركات الهواتف ،وعليه علامات الهم ،ذكر  ان الشركة التي كان يديرها لمدة عشرة اعوام  ،قد اصبحت مهددة بالافلاس. وذلك   بسسبب التطورات التقنية التي تحدث في صناعة الاتصالات،  وهو يعتقد ان الشركة ستبقى على قيد الحياة بشرط احداث تغييرات كبيرة ،كأن تغير المنتجات،  ويوسع نطاق انتشارها ، ويغير نظام التشغيل البيروقراطيفي داخلها،  وتدخلها ثقافة مهنية جديدة،  تقوم على المنافسة، بدلا عن نظام الضبط والربط الذى كان تسير عليه     ……
ستمع الاستاذ المستشار جيدا  لما كان يقوله السيد المدير  ،وهو يقدم تشخيصا للاحوال المتردية في شركته   ثم قال المستشار  بل  ان عمرك    الأن قد بلغ 62 سنةان التحديث الحقيقي هو ايجاد  خليفة لك..  بالطبع  فان النصيحة الغالية لم تعجب المدير،  ولم يكن يتوقعها  لانه كان ينظر من داخل الصندوق  ويبحث عن بدائل من داخل الصندوق  كأن  المشكلة  تكمن في الاخرين الذين ينافسونه  او في الهزات التقنية التي تحدث في البيئة التي حوله . كانت التغيرات بالنسبة  له لا تعني اعادة بناء الغرفة   وانما يعني تحديث  الاثاث،  وطلاء الجدران ، وتقليص العمالة ، واطلاق حملة من الدعاية،  والاعلانات التجارية  ..والذي  يحدث في الخارج ليس هزات وانما زلزال  مدمر للغرفة وان المشكلة لاتكمن في الاثاثات، ولا في الموظفين الكسالى ، وانما تعود اليه شخصيا  وان حلها يمكن في مغادرته للموقع ، فهذا امر مدهش،  وثقيل على النفس….، ويلاحظ هنا محاولات التبرير المتكررة التي يسوقها السيد المدير ،تدل هذه الحالةعلى (حب الموقع ) وعليه ان الاستمرار في (الموقع) لفترات غير قانونية ضرر يتفاوت من مجال الى مجال ،ففي المؤسسات التجارية الضرر محدود على عكس المؤسسات السياسية ،
 ومنها يمكن القول أن مغادرة الموقع او المنصب  من القرارات الصعبة ،سواء في الموُسسات الربحية   او السياسية  لا يقدر عليه الا اُولو العزم من القيادات  والتي يستحيل  وجودها في وضعنا الراهن. وعليه  هذه افكار أوليه حول ثقافة الاستقالة ،راجيا من الاخوة الكتاب خاصة اصحاب الاقلام الرصينة ان يسهموا برأيهم وفكرهم في هذا الباب ،هذا ما أردتُ تحريره والله من وراء القصد ،،،،،،

ليست هناك تعليقات: