07‏/04‏/2011

ترجل الفارس محمد عمر سليمان – اللولا-

نسأل الله ان يلهم اسرة المرحوم محمد عمر سليمان الصبر والسلوان ..
وندعوا الله العلى القدير ان يسكنه فصيح جناته مع الشهداء والصديقين الابرار ..

بقلم / محمد ادم
 في صبيحة الاحد الثالث من ابريل عام 2011، فاضت روح خالنا العزيز محمد عمر سليمان اللولا_ ابو سليمان _ الى بارئها ، والرجل الذى كان ملء السمع والبصر قد غادر دنيانا الفانية الى دار الخلد ، والاستقرار الابدى .، نسأل الله له الرحمة والمغفرة وحسن المآب. وان يلهمنا نحن اهله ومحبيه الصبر وحسن الغزاء.
"انا لله وانا اليه راجعون"
    خالنا أبا سليمان كان قامة عالية من قامات أهله وعشيرته ، عرف بالشجاعة والاقدام ، وبخلق السماحة وحسن المعشر ،وعلى امتداد سنوات عمره الذى ناهز التسعين عاماً ، كان حائطاً صلبا يتكئ على ظهره الضعفاء عند الشدائد والمحن . والفارس الذى ترجل بالأمس من صهوة جواده  ظل في حياته كلها حصنا منيعا يلجأ اليه المظلوم ، ويحتمى به المغلوب على امره ، ويقصده الملهوف..، ولم يكن من طبع الفارس الشجاع ان يتباطأ  في الذود عن
الحق ، أو ان يخيب أمل المستغيث به حتى لو تطلب منه الموقف الافتداء بالروح والدم . وشواهد كثيرة من مواقفه المشرفه عند الملمات يضرب بها المثل دائما في مجالس العقلاء ، وتحكى في منتديات عامة الناس البسطاء يستلهمون منها معانى الرجولة والكبرياء. وسيرته من مطلع شبابه وحتى مماته تحفل بالمآثر، والشجاعة والشهامة ..، فأبو سليمان كان دائما في مقدمة صفوف الفرسان عند النداء، يقفز بالخفة والثبات الى مواقع القتال صونا للشرف ، أو ذوداً عن حياض الديار . وفى مجالس الاصلاح ورد المظالم يدفعه العقلاء في المقدمة ،لينوب عنهم بالكلام وهو العارف مواضع الكلمة في ميزان الحكمة ، فكان الحكم الذى يطمأن الناس الى حكمته وسداد رأيه .
   واليوم ، ونحن نستذكر مناقب الفقيد الكريمة ، لا نقول عنه  كلاما إنشائيا محضاً لارضاء نفوسنا المحبة ، وانما ننقب عن الكلمات في معاجم اللغة وفى تلافيف الذاكرة لنضعها في منازلها الحقيقية علها تفى باعطاء مواقف الرجل الملحمية معناها الحقيقي في عالم الواقع المحسوس. ويكفى أن نعيد الى الاذهان أنه أهان الجيش الاثيوبي وأعوانه في واقعة تأريخية فريدة ، وكيف أن أماّ زفت وليدها الى الموت بالزغاريد ، وبالصلاة على النبى ، وبالادعية الصالحة :" هيا.. هيا .. لا تدعهم يدخلون محارم بيوتنا. هم جبناء أقل شأناّ من ان يواجهوك .. فألك فأل جدك ..منصور أنشاء الله ببركة جدى - الشيخ محمود- إمام الاولياء والصالحين .." ولم ينتظر الفارس الهمام سماع بقية الادعيات الصالحات ،وعلى عجل تحزم زناره ، وتابط " ابو خمساه" علنا  ، فذهب مسرعا يواجه قدره المحتوم ، فقابل جيش الغزاة الزاحف في منعطف ضيق على مشارف القرية المرتعبة : "قفوا أيها الاوغاد .. أبناء الثعالب أكلة الفئران .. لا تبرحوا أماكنكم .. فوالله .. أجالكم مكتوبة على كفى .. سأجعلكم جيفاّ مكومة طعاماّ للجوارح والسباع .. وبعزة الله وجلاله .. وبشرف الحرائر من خلفى ستثكلكم أمهاتكم ياجبناء .. قفوا ..قفوا .."  وكانت كلماته الهادرة قذائف حق قذفت الرعب في قلوب الجيش الزاحف وجعلت افراده يفكرون ملياّ قبل أن يخطوا خطوة واحدة نحو الامام، وكأن  الدماء توقفت فجأة في عروقهم ، فاذعنوا لأوامره ، فوقفوا في مشهد مهين وكأنهم أصنام مخشبة..!
   تلك –والله-  واقعة تأريخية جرت فصولها الدرامية في ميدان حرب مفتح وعلى رؤوس الاشهاد ، والكثيرون ممن شهدوا الواقعة  أحياء بيننا .
لما نوى أبو سليمان أداء فريضة الحج في 1983 كان يدعو ربه أن يجعل خاتمة حياته في الاراضي المقدسة ليدفن في " البقيع" بجوار نبى الرحمة وصحابته الكرام..، ولحكمة الله ..، لم يوافه الاجل ، فعاد الى اهله بعد ان أدى فريضته ، وامتد به العمر سنين أخرى ، وكان يشتاق الى وطنه ارتريا ، ويحن اليها، وهو الذى كان مسكونا بحبها.. وكم كان يمنى نفسه أن يعود اليها بعد ان تقدم به العمر ولو مشيا على الاقدام ، ليكحل عيناه من خضرة سهولها الوارفة، ويملا رئتيه من عبير زهور جبالها الفواحة، وان يروى ظماه من منابع عيونها العذبة في " ماى أتكموم" " ودوقلى"،..، وكلما شعر بالالام من اعراض الشيخوخة كان يدعو خالقه ليحمله على جناح رحمته ليغتسل من مياهها الدافئة - ماى وعوى- وان يسبح على شواطئ بحرها المالح ، وكلها بالعرف والتجربة علاج طبيعى يشفى العليل من الاسقام . ولما لم تتحقق أمنيته فى ان يكون مثواه الاخير في " البقيع" كان يتضرع الى الله في ان يتم أجله في وطنه ارتريا .ليدفن بجوار ابيه وأجداده والاعزاء من اهله ، وان يوارى جسده الطاهر بتراب وطنه على سفوح جبل "قدم "أو في سهول "فرارى" أو على هضاب "عقمبسا" أو "عقمدا " وهى موطنه الاصلى فيها ولد وعلى اديمها عاش طفولته وصباه وشبابه ، وهى مرابض قبيلته ، ومواتد خيم عشيرته . لقد كان أبو سليمان يحلم بعد التحرير وقبله بالعودة السريعة الى وطنه ليعيش فيه بقية حياته ، ويستعيد ذكريات طفولته الجميلة..،  ولما يقضى الله امره يدفن بجوار أحبته ، ولكن النظام المستبد حرمه من امنية العودة العزيزة، وهو لم يكن ممن يساوم على حريته وكرامته ، فأبى العودة الزاحفة على البطون، وفضل العيش لاجئا الى حين حتى ادركه الموت، فمات في منفاه بمعسكرات اللاجئين بسمسم في مخيم أم سقطة وقد احسن أهله ومحبيه وداعه، فحملوه على الاكتاف، وصلوا عليه، وانزلوه روضته، ندعو الله أن يجعلها له روضة من رياض الجنة.
   يقول أهلنا في مثلهم :" الكبير نبى – عبى نبى" وأبو سليمان كان نبيّا في الحكمة وراعياّ للفضيلة، ونحن نشعر بفراغ هائل في حياتنا الاجتماعية بفقداننا له، وعزاؤنا في ذريته الكريمة، وثقتنا كبيرة بأبنائه الكرام  محمد على، ابراهيم ، صالح ، وعثمان ، ومن هنا أعزيهم على فقيدنا الكبير والدهم : محمد عمر سليمان اللولا .



ليست هناك تعليقات: