بقلم / صالح إبراهيم انجابا
شد إنتباهى وعصف بى تيار جارف من التفكير والتأمل حينما شاهدت
فى قناة الجزيرة المواطن التونسى قائلاً فى مشهد مؤثر وواضعاً يده على راسه الذى غطاه الشيب
الأبيض "نحن قد هرمنا من اجل هذه اللحظة التاريخية" ويقصد بذلك ثورة
الشباب التونسى البطل الذى حقق حلمه الجميل .
اخى التونسى كانت نبرات صوته فيها حنق ومصحوبة بحشرجة وحزن
وحملت فى طياتها معانى بعيدة الأغوار ودلالات الإنسان التواق للحرية التى هى
كالماء والهواء لكل الشعوب .هذا الرجل هرم
فى رحاب وطنه وبين اهله واصحابه الذين قاسموه
محطات المعاناة المُرة وخففوا عنه ثقلها وشراستها وأخيراً رأى الظلم يتبدد و الحلم يبسط يديه ويبشره
بقدوم فجر جديد اما نحن البؤساء لا ندرى هل سنعيش لنرى بلدنا تتلحف ثوب
الحرية؟ وهل ستزول حالت التشتت التى صادقتنا لأكثر من نصف قرن؟ وهل سنقضى نحبنا فى
المهجر كما قضى اخوةً لنا نحبهم من قبل ؟
نحن فى طريقنا الى الهرم فى الغربة التى يتلاطم على جدرانها الحنين والشوق
والذكريات لِتُسطر فى كتاب اعمارنا وسط
اناس لا يحسونا بمشاعرنا ا ولا يعرفون كيف نسكب الدموع الحامضة قطرة قطرة حتى ذابت العيون من وقعها الذى يحدث دوى إنفجار
يسمع فى دواخلنا لأننا نتظاهر بالسعادة
المصطنعة ا.
فى إحد الأُمسيات كنت فى جلسة اخوية مع رجل إرترى نتجاذب اطراف الحديث حتى غصنا فى الآم الغربة ومرارتها وفى إثناء الحديث مرَّ نفس المشهد على شاشة
التلفاز فبدأ صديقى يبكى كالطفل واخذنى
بقوة الى قاع الحزن وبدأ يذكر رحلته من الوطن الأسير الذى لم يعد اليه طوال
الأربعين عاماً والتى فقده فيها اخاه
ووالده الحياة وهو يكتوى بنار الغربة التى
حرقت كل شعره حتى صار رأسه كالصحراء القاحلة تعصف به اعاصير السنين العجاف .
يشاطرنا هذه الدراما والتراجيديا كثير من الإرتريين الذين كانوا
ينتظرونا الإستقلال بفارغ الصبر من ضمنهم والدى رحمة الله عليه الذى كان يٌمَنِى
نفسه بالعودة الى حضن الوطن ولكنه فضل ان
يقضى بقية حياته فى السودان الحبيب. اتذكر اننى إتصلت بوالدى وسألته "متى
تنوى العودة ؟" فسكت لمدة دقيقة وتنهد قائِلاً " الوطن يا إبنى قد سلب
وصار غريباً فلذا اُفضِّل ان ادفن فى تراب السودان عزيزاً مكرماً".
رحمك الله يا أبى وادخلك فسيح جناته ودوماً سأظل اكافح واناضل
بقلمى واحمل روحى على راحتى من اجل ان تتحقق العدالة والمساواة فى إرتريا حقا ً
فرحتنا سرقت على يد الأوغاد اصحاب الخيانة والمؤامرة فلذلك دوامة الغربة ما زالت
تدور ويدور فى محورها جيل النصر الذى لفظه الوطن كما يلفظ البحر الغريق. تمر
المشاهد الحزينة ببطء وكل مشهد يحمل لون
خاص وقصة مختلفة واكشن او حركة لها وقع اقوى من الأولى وتتمثل فى شتى المراحل .
المرحلة الأولى جيل الأربعينيات من القرن الماضى الذى عاش مرحلة
مليئة من الصراع ضد المستعمر البريطانى والإيطالى وجاء بعد ذلك جيل الثورة الذى قضى
معظم محطات حياته فى ساحة القتال و يتنقل من
معسكر لجؤ الى معسكر آخرذنقه ذنقه دون ان
يتذوق طعم الحياة ورونقها وتعبت قدماه من السير لتنزف دماً يكتب على كل بقعة
يحط فيها رحاله لاجئ مشرد بلا هوية يبحث عن طلب اللجؤ بين
اروقة الأمم المتحدة والذى يرفض احياناً
ويعيره من لا يعرف تاريخه وجذوره !!!!!!!!!
جاءت مرحلة لونها مختلف وطعمها عجيب والمُهَا لا يوجد له مثيل
فى عصرنا الحالى حيث تحدث موجات من اللجؤ الذى لا معنى له تسبب فى تفعيله هولاكو
القرن الواحد وعشرين والمدهش فى هذه الدوامة ان الإرترى صار يختار قبراً غير مُكلِف
فى المحيطات مفضلاً ان يكون طعاماً سهل لاسماك القرش التى تتراقص فرحاً وتبتهج
بالصيد الثمين والطازج من لحم الشباب الذين هم فى مقتبل العمر.
النوع الآخر من الإرتربين إختار طقس الصحراء الحار الذى يزيده
لهباً من الغضب ضد الطاغية ليفجر بدنه
ويدفن فى بقعة يصعب ان تكتشفها الأقمار الصناعية ويرسل رساله لا يعلم
فحواها دكتاتور عقله متصلب بالحقد والقتل والدمار لأهله وشعبه وينفث من انفاسه شرر
يحرق الأبرياء من الأطفال والنساء وبقية افراد الشعب الإرترى ويعمل كالعُثةِ فى إفساد
نسيجنا الإجتماعى وقيمنا ومورُوثاتنا التى تربينا تحت ظلالها وسبَّب المأساة التى خيمت على بلادنا وجرفت كل سنابل السعادة
والأحلام والطموح والإنسانية وابسط مقومات الحياة .
السؤال الذى ارهقنا الى متى يستمر هذا الشتات؟ والى متى سنقضى
بقية اعمارنا خارج الوطن؟ هل الشباب الذى هرب من بلده بعد الإستقلال سيقضى بقية عمره فى المنفى والمهجر؟
الشباب يجب ان يفكر جلياً قبل فوات الآوان فى تغييرالوضع المزرى
وان يفكر بعمق قبل ان يبتلعه بحر الغربة الذى لا يرحم فلذا نرجوا ان يشارك فى كل
المظاهرات بقوة
فى يوم 25 مارس 2011 فى سويسرا وبريطانيا
ويوم 26 مارس 2011 فى استراليا
نناشد جيل التغيير لكى يكون هذا الحراك نقطة البداية والإنطلاقة للخروج فى مظاهرات عارمة امام السفارات الإرترية
فى كل بقاع العالم فى يوم 24 مايو 2011
الذى يوافق عيد الإستقلال وفاءاً وتقديراً لدماء الشهداء الذين حرروا الأرض وحققوا
الإستقلال ولنكمل الشق الثانى الذى يكمن
فى تحرير الإنسان الإرترى
وتعرية وجه الدكتاتور
القبيح المريع ولرفع المعاناة عن كاهل الأمهات والكبار والإطفال ولتحرير السجناء ومن
اجل بناء وطن الكرامة وإعادت الحقوق وعودة اللأجئين الى حضن الوطن .
ندعوا الله ان ينصر شبابنا
الذين يأخذون زمام المبادرة ويسهرون لصنع المستقبل الزاهر لبلادنا حتى تعود البسمة
لكل الإرتريين وننعم بالسلام والأمن
والرخاء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق