15‏/12‏/2010

رياح التفكك لن تستثني أثيوبيا!

نقلاً عن :  (عرب اون لاين  )
      بقلم / جمال محمد تقي                            
في عهد الإمبراطور هيلاسي لاسي كانت أثيوبيا تمثل آخر ما تبقى من الإمبراطوريات التقليدية في العصر الحديث، أي تلك الإمبراطوريات التي تحتوي في أحشائها على شعوب وأمم وكيانات عديدة، وتخضع لمركز قوي معمد بروابط التاريخ والجغرافية، كما كان الحال أيام روسيا القيصرية، وأيام الإمبراطورية العثمانية. 

وعندما سقط هيلاسي لاسي عام 1974 بانقلاب عسكري "ثوري" قاده منجستو هيلا مريام احد الضباط الكبار واليساريين في الجيش الإمبراطوري، لم يتغير الحال فيما يتعلق بالطبيعة الإمبراطورية "الحبشية" للنظام، ونقصد هنا علاقته بالكيانات والأمم الخاضعة للمشيئة الحاكمة في أديس أبابا، ويبدو ان انعكاسات الصراعات الدولية بين القطب الأميركي والسوفيتي على مناطق النفوذ في القرن الإفريقي كانت عاملا فاعلا في إيقاظ تلك الشعوب أو بعضها لنيل ما فاتها من رياح التحرر والانعتاق، مثلما كانت هي ذاتها وفي أحيان أخرى عاملا حاسما لكبت الكثير من التطلعات المشروعة لتلك الشعوب، والتي مازال بعضها يعيش على حافة الحضارة الحديثة بفعل عوامل عديدة أبرزها، حالة عدم الاستقرار السياسي والإداري والتنموي التي تعيشها كنتيجة حتمية لصراعات البحث عن الذات، وأيضا كضحية للصراعات الدولية التي تستثمر في نقاط ضعفها.

حركة التحرير الاريترية لم يكن لها أن تحصل على ما حصلت عليه لولا انحدار الاتحاد السوفيتي وانفراد أميركا بنظام منغستو من خلال تركيزها على إقامة أوسع تحالف سياسي وحركي وقبلي وعسكري أثيوبي معارض وبركيزة أساسية مكونة من تحالف الجبهة الشعبية بزعامة افورقي مع جبهة تحرير أثيوبيا بقيادة ميلس زيناوي للانقضاض على نظام منغستو، فالرعاية الأميركية لم تكن سرية وهذا مؤتمر لندن الذي جمع أطراف المعارضة الأثيوبية كان بتنسيق من قبل وليام كوهين مساعد وزير الخارجية الأميركية، حيث تمخض المؤتمر عن اتفاقية تقضي بالعمل المشترك لإزاحة منغستو وإقامة حكومة انتقالية بقيادة زيناوي مقابل التزام الأخير بمنح اريتريا حق تقرير المصير وتسليم مقاليد الأمور فيها إلى افورقي. وفعلا تم إسقاط منغستو عام 1991 وتم استقلال اريتريا الكامل عن أثيوبيا بعد عامين من هذا التاريخ، بتفاهمات منداحة نحو الوجهة الأميركية الإسرائيلية، وذات الشيء بالنسبة لأثيوبيا.

أما إقليم اوغادين هذا الاقليم الصومالي تاريخيا وجغرافيا، والذي تقطنه قبائل صومالية مسلمة خاضت كفاحا مسلحا للانعتاق من السيطرة الأثيوبية، فلم حصل على ما يريد لان ما يريده لا يصب لمصلحة السوفيات ـ على ايام سياد بري ـ ولا يصب لمصلحة اميركا بعد الإطاحة بنظام منغستو، فهو مازال يتحين الفرصة السانحة لانتزاع حقه في تقرير مصيره، شعب اوغادين الذي يزيد تعداده عن الخمسة مليون والذي تزيد مساحة إقليمه على ربع مساحة أثيوبيا يعمل مجددا من اجل تحرير نفسه، خاصة وان هناك حقائق جديدة تعيشها المنطقة برمتها، وأهمها أن زيناوي وحزبه يسيرون بالبلاد نحو ديكتاتورية جديدة تعتاش على افتعال المشاكل مع الجوار وأيضا من خلال اللعب على التناقضات الداخلية بين الشعوب والأقوام المنضوية تحت الخيمة الأثيوبية، وان مراهنة الاميركان وإسرائيل على الدور الأثيوبي ليكون شرطي القرن الأفريقي قد حفز النظام الاريتري لمراجعة مواقفه خاصة بعد الحروب الحدودية المكررة بين البلدين.

لذلك نجد رفضا اريتريا للتدخل الأثيوبي بشؤون الصومال ومحاولة استضعافه بتكريس حالة تشظيه، بنفس الوقت نجد رفضا للمساعي المحمومة من اجل تقسيم السودان وإسقاط حكومته المركزية، وهنا يتسق النظام الاريتري مع نفسه فهو يقود دولة ذات أغلبية مسلمة وتتخللها الأصول العربية قديما وحديثا، ويمكنها أن أرادت ان تعول على الحركات المعارضة للنظام الأثيوبي الذي يتصف بالشيفونية الدينية والاثنية المغطاة بنمط من الحكم الفدرالي غير العادل، هذا إذا أخذنا بنظر الاعتبار بان الأصول الإسلامية والعربية تشكل العمود الفقري لأكثر من 45 بالمئة من سكان أثيوبيا ذاتها، لا كما تدعي الإحصاءات الحكومية غير الدقيقة من ان نسبتهم حوالي 30 بالمئة!

الشعب العفري هو احد الشعوب العربية القديمة التي مازالت تحتفظ بلغتها القديمة المكتسبة من الحامية نتيجة اختلاطها بالشعوب الكوشية في القرن الأفريقي الذي هاجرت إليه قبل حوالي 4 ألاف سنة، والآن يشكلون ما نسبته 4 بالمئة من سكان أثيوبيا وهم يقطنون منطقة خاصة بهم ـ المثلث العفري ـ وهي تعتبر خامس إقليم أثيوبي من حيث المساحة، ولهذا الشعب امتداد ديموغرافي في اريتريا حيث يشكلون هناك ما نسبته 10 بالمئة من السكان، ولهم امتداد ديمغرافي في جيبوتي بنسبة سكانية تقدر بحوالي 50 بالمئة العفريين بالمطلق مسلمين، ويتطلعون لتحررهم وإقامة كيانهم المستقل، وفيهم قوى منظمة تعارض النظام الأثيوبي الذي يميز بين الأقاليم ذات الأكثرية المسلمة وتلك ذات الأكثرية المسيحية من حيث مشاريع التنمية البشرية والخدمات وأيضا الاستثمارات المرصودة من الميزانية العامة للأقاليم هذا إضافة للتميز في سياسة التوظيف والتمثيل في الحكم، ومن مطالبهم احترام الحدود التاريخية لإقليمهم في أثيوبيا وضرورة تثبيت تلك الحدود بخرائط رسمية معتمدة. 

لي أصدقاء من عفر أثيوبيا يؤكدون عزم أهاليهم ونخبهم وتنظيماتهم غير المعلنة على العمل مجددا لنصرة إخوانهم أهالي إقليم اوغادين من اجل استقلاله كما يعملون هم أنفسهم على إقامة كيان عفري مستقل عن أثيوبيا يقيم علاقات تكامل مع اريتريا والصومال وجيبوتي، وهم يتطلعون لتفهم وتضامن عربي وإسلامي لنصرة قضيتهم العادلة، خاصة وان سياسة التبشير الغربي تتمدد في القرن الأفريقي بعد أن قطعت أشواطا في أوغندا وجنوب السودان، هذا إضافة للتغلغل الإسرائيلي المتفاقم في أثيوبيا ذاتها وتسربه إلى جنوب السودان بعد أن بنى لنفسه طوقا حصينا في جنوب وغرب القارة السمراء.
هذا رابط الموقع :
http://www.alarabonline.org

ليست هناك تعليقات: