09‏/11‏/2010

نتائج أزمة الهيمنة والسيطرة الإثنيه

بقلم / محمد أمان إبراهيم أنجابا
         لقد إكتسح وباء الإحباط شعبنا ، وغدونا لانرى فى الورود سوي الأشواك ، وتحولنا من حالة الحضور فى الوطن الى حالة الغياب لانساهم في المعارضة وغيرها ، وأصبحنا نعيش فى وطننا بعواطفنا وأحلامنا فقط ، ونحيا بإجسادنا فى أوطان الغير، نتمنى وندعوا فى سرنا أن تكون أوطان الأخرين لنا مستقراً ومقاماً ، دون أن نعطى للوطن ما يستحقه من تضحيه من أجل الديمقراطيه كما كان فى السابق من أجل الإستقلال ، فننظر بنظرة الشك والريب الى كل حركة وطنيه ، نعم هناك أطراف فى المعارضة ساهمة فى هذا التمرد وعدم التفاعل والإستياء العام والوصول الى درجة الجمود.
ياترى من المسؤل عن هذه الكارثة ؟ فبرغم تعدد الأطراف فى هذه المشكلة ولكن السؤال يظل قائم .
لا تختلف المجتمعات الإريتريه عن غيرها في كونها مكونات جماعات دينية مذهبية وإثنية إجتماعيه متنوعة ، ولا في قابلية تسييس الفوارق الإجتماعية الثقافية في سياق تنافس النخب على السلطة والثروة والنفوذ. الواقع أن المجتمعات البشريه المتنوعة قد تتخاصم وتتعادى وتتحارب فى المصالح . التوافق بينها ممكن، لكنه ثمرة جهود منظمة لا تتوقف ، الغرض منها بناء مشترك ، بحيث يتشكل مستوى إجماع من أجل التعايش والمصلحة الوطنيه ، فأين النخب التقرينجاوي من هذا التقارب والتعاطى الإيجابى ؟ ، وهذا لايعفى قيادات المعارضة التى خلقت شرخا فى الوحدة الوطنيه بالتقارب على أسس قبليه وإثنيه وطائفيه والمجاملات المجتمعيه الغير لائقه ، الكل له مساهماته فى هذا التردي ولا نستثني أحد .
قد تكون الفوارق موروثة وطبيعية أو مكتسبة وصنعية كحال النظام الحالى الذى يسعى لخلق فوارق ثقافيه إجتماعيه وإقتصاديه . أما الإجماع فهو ثمرة جهود عامة موصولة . فإذا تعطلت هذه الجهود، كان مرجحا أن تسود الفوارق المصطنعه والسيطرة للإثنيه ويتصلب الحوار ويتوقف العطاء فى إطار المعارضة والدولة القائمة ، ويستعر التنافس بينهما على السيادة ، على الأسس الإجتماعيه والقبليه ، فيشتد التنافس الطائفى والإثني داخل كل أحزاب المعارضة بالمثل مع النظام وهذه هى الهيمنة بإنواعها المختلفه.
وتتوسل السيادة "احتكار العنف المشروع" لصون الهوية العليا الإستيعابية التى فُرِضتُ بقوة النفوذ ، أى الهيمنة تضفي صفة "طبيعية" على الهوية الوطنيه المصطنعة ، تتغلب على "طبيعية" الفوارق الموروثة.
ما يتميز به وطننا المعاصر هو بالضبط أزمة الهيمنة التي تعصف به منذ نشأة الدولة الحديثه . أي أزمة الحزب الواحد والمشروع التقرنيجاوي والقيادة ذات الصلاحيات اللا محدودة. وسنقول على الفور إن الطائفية من أولى ثمار هذه الأزمة. فالقبليه هي نتاج تعطل العمليات المنتجة لإجماع عام .
السيادة والهيمنة أيضاً حالة تسود أحزاب المعارضة ، فكانت نتاج نوعي كذلك للطائفية والقبليه ذاتها فأحزاب المعارضة بكل واجهاتها  السياسيه تمثل "الطوائف"، أي أنواع إجتماعية متصلبة ، تتصرف كوحدات سياسية ، وتطمح كل منها أن تكون صاحبة الكلمة العليا، أي الجهة المقررة فى التنظيم المعني.
 بين سبعينات القرن العشرين وبعض ثمانينياته ، كانت الفكرة الإريتريه هي الأساس الديناميكي لتكون محل إجماع وأكثريات في الأحزاب الاريتريه الطليعية. بعد أن فقدت موقع الهيمنة منذ سبعينات القرن العشرين. كان المرشح الطبيعي لخلافتها هو القبليه والإثنيه ، فإن هذه إفتقرت على الدوام إلى صفة المشروع المستقبلي. والغريب أنها لم تزعمه لنفسها فقط ، وارتضته أن يكون محتواها التحرري والأخلاقي . هذا لم يحل بينها وبين الفوز بمعركة التحرير فقط ، بل جعلها تتقهقر وتتراجع من خط المعركة (ككيانات). وترك الساحة .  نعم لو كان لهذه الاحزاب والكتل التنظيميه مضمون إيجابي. لكانت مشروعا مؤهلا للإستقلال وثم الدولة .
 إتسمت فكرة التنظيمات الإريتريه بسمات مرتبطة جوهريا بأزمة الهيمنة. القمع الفائض بمختلف مسمياته وأدواته وازرعه وكذلك القيادة المتصلبه فى رأيها والمتخندقه فى اماكنها لا تتيح فرصة التداول.
وفى ظل أزمة الهيمنة يحل العنف والقمع باساليبه المختلفه محل التراضي الغائب ، مما أدى الى الهروب الجماعي لمستنقع القبليه والإثنيه والطائفيه وحمل لواء التمرد على هذه البيوتات التجاريه والشركات الخاصه بثوب الدين والديمقراطيه والعدالة .
أما الزعامة الكاريزمية فهي بمثابة تعويض عن ضحالة الكيان الوطني وضعف الرؤيه المستقبليه ، وهذه لم توجد أيضاً .
الزعيم الكارزمي، المستبد دوما والطاغية أحيانا، إحتمال راجح في دولة حديثة جدا بعد زوال هذا النظام اذا ذهبنا بهذه الوتيره المتأرجحه للوراء ، بمعني تمجيد الشخصيات على أسس إثني وعشائرى.
في المحصلة سيكون لدينا المشهد التالي:
            مجتمعات منقسمة طائفيا ، دولة قمعية ، زعامات مستبدة ، وحركات إسلامية بثوب الطائفيه والقبليه ، وتنظيمات إثنيه متناحرة ، وتنظيمات علمانيه خاويه فكرياً. إنها نواتج أزمة الهيمنة الأحاديه .
هل من مخرج ؟ نتصور أننا بحاجة إلى إعادة هيكلة ميراثنا الثقافي وإعادة ترتيب علاقات السيادة والهيمنة بين هوياتنا الكبرى الثلاث، الدين والقبيله والرابطة الوطنية ، لمصلحة الأخيرة. ينبغي أن تقوم هذه على المواطنة المتساوية وعلى الحريات وإعادة هيكلة الدولة على أسس الكفأة ، ويكون الإنطلاق على سندين ثقافيين هما العربيه والتقرنجيه من جهة أخرى. يمتنع أن يقوم أي إجماع باستبعاد هذين السندين، لكن يستبعد أن يقوم إجماع على أرضية أي منهما. ومن شأن إعادة الترتيب الإستيعابي هذه أن يحررهما من ممارسة العنف المادي (الحرب، القمع باوجهه المختلفه ، القتل ، الإعتقالات التعسفيه ) والرمزي (تخوين، تكفير، حرمان من المواطنة) ويتم تقنينها بالدولة وحدها. وإذ يؤسس على هذا النحو لتجاوز أزمة الهيمنة ، فإن من شأن الترتيب الجديد أن يسهم أيضا في تجفيف منبعى الطائفية والتمييز بين المواطنين على أسس عرقيه إثنيه ، والإنفصال عن العمق الثقافي التاريخى لاريتريا.
بعد سرد الهيمنة التى هى أساس إنقسام وتمزق الوطن وإحتمال زواله ، فالسؤال الذى يطرح نفسه هل التنظيمات الاريتريه المعارضه بوضعها الراهن وتقسيماتها المختلفه  تؤدى الى إزالة النظام الإستبدادى وإستبداله بدولة العدل والمساوى والقانون؟.
الحلول للخروج من الوضع الراهن :
على  صعيد القيادات التنظيميه للمعارضة:
      العمل على إقامة حوار عبر جميع المنابر الإعلاميه وخاصة غرف البالتولك فى كل الإتجاهات لمعرفة الحقائق وبعيدا عن الإنغلاق وأدوات القمع الممارسة فى وسائل تنظيمات المعارضة . ونزول القيادات للحوار مع جميع أفراد المجتمع الإريتري عبر هذه المنابر حتى يتعرفوا على الحقائق والرأى الحر بعيداً عن التقرب والمحابة وبعيداً عن حصون أحزابهم التى تعودوا أن يسمعوا فيها الإطراء والتطبيل والتمجيد.
هناك إشكالية على مستوى القيادة أغلب القيادات المتواجدة فى الساحة أستنفدت أفكارها وأدواتها قديمة غير صالحة ، لاتشرك الجيل الحديث فتنظر من باب الأستاذيه والإستعلائيه للجيل الحديث ، وتريد قيادات كالنسخه الكربونيه لها أي مستنسخه منها وتعمل على توجيهها يمنةً ويسرى كالأدوات ، وتمارس الإقصاء لمن يخالفها فى الرأي فإنها مصيبتنا .
أما على صعيد التنظيمات:
         فيجب على كل التنظيمات الإسلاميه تراجع الممارسات التى تجرى فى إطار التنظيم  وتدرس كيفية معالجة حالة النفور  لبقية المكونات المسلمة التى ذهبت لتعمل فى إطار التنظيمات القبليه حتى تشعر بوجودها وتحارب المرارات والهيمنة التى تجرعتها من تلك البوابه.
وبالمثل التنظيمات العلمانيه يجب عليها أن تدرس كيفية معالجة تجديد الفكر وتحديث الرؤيه السياسيه على حسب حاجة الشارع الإريتري وتطوير الأدوات القديمة حتى تستوعب جميع المكونات الاثنيه.
أما على صعيد الوطن :
       يجب على النخب التقرنيجاويه من هم في المعارضة في البدء الإقرار والإعتراف بالهيمنة والإقصاء الذى يمارسه النظام للأخريين إذا أردنا ان نعيش سوياً ونبني وطن تتساوى فيه الحقوق والواجبات ونخرج من حالة التعميم لكل الإثنيه التقرنيجاويه وعليهم رفض إصطناع الفوارق الثقافيه والإجتماعيه من قبل النظام.
 وثم العمل لبناء دولة تسع الجميع وعلى أسس المواطنة وليس على الإثنيه والهيمنة الاحاديه .
وكذلك رفض المبدء الذى قامت عليه الدولة الإريتريه الحديثه التى شيدت على أساس الحزب الواحد والثقافة والهيمنة الواحدة والعمل على تشيد صرح وطنى يعنى كل المكونات الإريتريه.
أما عدم الرفض والقبول بالوضع الحالي يجعلكم فى دائرة الإتهام مع النظام مهما كانت المبررات أنكم فى صفوف المعارضة مثل الأخريين وتعانون بالمثل ، فهذا لايبرئ موقفكم وربما تسعون للحفاظ على المكتسبات التى حققها النظام وتناضلون من أجل إبقائها والخشية من زوالها وذلك هو الهدف الباطنى ولاغير .
يجب على كل إريتري حادب على مصلحة الوطن أن يعمل على ردم الهوة والسعى من أجل التقارب والحفاظ على الوحدة الوطنيه وتحقيق العدالة والديمقراطيه فى أرض الوطن ، أما غير ذلك فالكل له خياره والعاقبة لمن إبتداء فى الظلم وتهيمن وإستعلى وتكبر.
............ والى أن نلتقى فى موضوع اخر ............


ليست هناك تعليقات: