بقلم/ صالح محمود
مقدمة
بلادنا
مليئة ببطولات الفداء التي لا يلم بتفاصيلها غير صناّعها والكثير منا يستمتع بسرد
القصة لحينها فقط من الراوي ولا يلقي لها بالا من أجل تخزينها فى ذاكرته ثم يبرح مكانه دون ان يستبقي الكثير مما
سمع,وياليت كل قصصنا تجد آذانا صاغية تستمع اليها كإستماع الباحث لتمر وتحفظ علي
ظهر القلب حتي تجد طريقها إلي النور .
ناس يصنعون
القصص وناس يروونها أو يكتبونها واخرون يقرؤونها,,قصص ليست من صنع الخيال كأفلام
السينماء بل هي قصص
حقيقية,لأشخاص كان قدرهم أن يكونوا في محك ويسطروا ملاحم البطولات, أروع البطولات التي سرعان ما تتحول إلي قصص تعكف عليها
ألأجيال وتستسيغها لتكون زادا روحيا لهم,وسجل عزهم ومجدهم
وتكون وصالا بين أبطالنا ألأشاوس في الماضي والحاضر والمستقبل.
فى خريف
1984 من القرن الماضى عندما كنت ابحث عن العمل فى العطلة المدرسية جمعتنى الظروف
بمجموعة من العمال وكانوا كلهم من قدامى المناضلين وكل واحد منهم كان شاهد على حدث
من احداث ارتريا الكثيرة بل مشاركا فيها,وكان احدهم من رفاق شمسى واسمه صالح بورى.
وكنت اجد
منهم رعاية واهتماما كبيرين باعتبار أنى كنت الطالب الوحيد بينهم.
ذهبنا الى
إحدى المشاريع الزراعية فى ضواحى مدينة القضارف,كنا نقضي النهار طوله فى العمل وفى
الليل نجتمع حول نار نوقدها ونسهر الليل نصفه فى سمر وأن أحاديثنا تدور فى الغالب
حول ارتريا,ما كان فيها وما حدث,وفى احدى الليالى قُصة لنا قصة شمسى ورفاقه.
مما لا شك
فيه أن الشخصيات التى لعبت دورا رئيسيا فى هذه القصة هي شحصيات معروفة وتعتبر من
رموز الوطن,إلاّ أنى لم يسبق لى ان سمعتُ بها من قبل,ولكن روعة القصة وشجاعة هؤلاء
الرجال والمغامرات التى خاضوها من اجل الوطن جذبتنى وقلت فى نفسى ليتنى امتلك لغة
اكتب بها هذه القصة وغيرها من القصص المجيدة والخالدة التى قام بها الشجعان من
ابناء شعبنا,وفيما بعد حاولت بقدر المستطاع كتابتها تحت عنوان الهدف والرجال.
الهدف والرجال
في إحدى الأمسيات
الهادئة رن جرس الهاتف ,رفع السماعة الشخص الذي كان بجواره,وبمجرد أن سمع نبرة
صوته ألأولي التي تحملها الزبزبات الكهرو مغنطيسية عرف المتصل,كان سعيد شمسي,وكان المجيب قمحت ادريس,قال له الحمد
لله علي السلامة,سوف ألتقيك قريبا ,أنا الان في أسمرا لدي بعض ألأعمال تحتاج إلي
ترتيب,وسأكون في مصوع بعد حين,هناك موضوع مهم نتباحث فيه بعد وصولى ,لأنه غير مناسب التحدث فييه بالتلفون.
رد قنحت:أعرف
ذالك جيدا قد بلغتني بعض نسائمه.
عقب شمسي مخافة
ممن يتصنت ويتجسس إليهما,فقصد تضليله قائلا :لطالما عرفت الموضوع فلا بأس من
طرقه,ولسوف يكون لنا الشرف في مصاهرتكم والتفصيل في الموعد القادم.
قمحت: إن
شاءلله
شمسي: مع
السلامة
والقائدان
كلاهما من المؤسسة العسكرية,فإتفقا على أن يبقى أمرهما قيد الكتمان,وهو أمر نيتهما
في إلإلتحاق بالثورة,وفي اليوم المتفق عليه,تم اللقاء بينهما وتحدثا في كل الخطط
التي يريدان تنفيذها,وقد كلف ألإثنان كل منهما ألآخربمهمة
صعبة,أسندت مهمة جمع الرجال الي قمحت,ولم يكن ألأمر سهلا حيث يصعب ان تأمن شرهم في
أونة تفشي فيها التجسس,ويتم الإبلاغ عن كل حالة مريبة.
أنيطت مهمة
الحصول علي السلاح إلي شمسي والتي هي مهمة خطرة,ويكون السلاح مرصودا في ملفات
وسجلات المكاتب التابعة للأمن,ويكون فيها تسليم واستلام ,ويفشي سرها سريعا في حالة
نقصان أو زيادة.
قال شمسي
أن له صاحبا في وحدة البوليس ينسق معه من أجل ألاستيلاء علي السلاح.
تم تحديد
المكان والزمان المناسبين ,يجتمع كل منهما بالآخر بما لديه من رجال وسلاح,كان
الوقت المحدد ليلا,في أسفل الجسر من الجسور الواقعة بضاحية مصوع .
أتي قمحت
إلي المكان قبل الموعد المحدد بقليل,وبرفقته عدد من الرجال,إنحشروا جميعا في
الظلام القاطن في النفق,كانت تمر سيارات من فوقهم بين كل فترة وأخرى,وبعد وقت قصير
فوجئوا بسيارة تقف علي بعد أمتار من الجسر,وأطفئ نورها فور وصولها,فجاء منها صوت
شمسي مناديا بصوت غير مرتفع كثيرا :قمحت أحضروا إلي هنا.
رد قمحت
قائلا: قادمون---هيا يا رجال عجلوا خطاكم,فليحمل كل منكم قطعة سلاح .
وأن سعيد
شمسي هو نفسه من قام بتوزيع السلاح عليهم,وإرشادهم في كيفية إنتشاقه.
أما السائق
فقد خيروه عما إذا كان يريد البقاء معهم لكنه اختار العودة .
إبتعدوا عن
الطريق الرئيسي ثم توقفوا قليلا للتشاوربشأن خطتهم المقبلة.
,وكان
الجيش في المدينة في حالة استنفار والأحاديث في الدوائر الرسمية كلها تدورحول ألأسلحة
المهربة,ومن ناحية أخرى فإن تدبيرات الحكومة
تجري علي قدم وساق بأشد وأسرع ما يكون وبعد أن أكتملت إجراءات التحقيق ومعرفة الجهة التي كانت وراء تهريب
السلاح,وأنها أي الحكومة تبحث عن سعيد
شمسى,وبعد أن جرت إتصالات إضافية مكثفة ,تبين أن قمحت إدريس أيضا قد إختفي.
القائدان
شمسي وقمحت لم يكونا علي علم بكل ما يجري من بحث وإتصالات,ولكنهما توقعا كل شيء يمكن
حدوثه, وكان قد ساد بينهما تباين في الرأي فيما يتعلق بالإتجاه الأنسب
لرحلتهم,إقترح شمسي أن يتجهوا غربا للوصول إلي مواقع الثوار,أما قمحت فقد إقترح أن
يتجهوا نحو الجنوب عبر دنكاليا,وقال:أنا أعرف المسالك المباشرة وغير المباشرة,أعرف
السهل والجبل والكهف نتوارى فيه عن أعين ألأعداء عند الضرورة,وأعرف اهل ألمنطقة.
وشمسي إبن
ألمدينة الذي لا يعرف الريف ولا الضروب شرقا أو غربا تراجع عن رأيه دون إصرار.
وبعد ان
إستقروا في أحد الرأيين,شدوا الرحال يريدون دنكاليا,قاد قمحت رحلة الجماعة بنفسه,بدأوا
السير في ليلهم,وكانوا يتجنبون القرى ونباح كلابها,وليس هناك ما يقع في ألأذن من
اصوات ما خلا وقع أقدامهم عند ارتطامها بالصخور,وأصوات البنادق ألتي تحتك بآباطهم ,وحديثهم
الخافت إلي بعضهم ,وصفير بعض القوارض وخشيش بعض الزواحف وأحيانا عواء إبن آوى.
أن سلطات
الحكومة قد حددت تجاه رحلتهم,وخصصت جيشان من كمندوس ليتعقباهم,ألأول عن طريق البحر
يمتطيء البقال والحصين وكذالك المشاة ,ليكون حائلا بين البحر والرجال,والثاني يسلك
سلسلة الجبال,وبذالك تشكلت خطوط ثلاث بالتوازي ,وكان خط الرجال هو ألأوسط,ولم
يكونوا على علم أنهم بين جيشين.تابعوا سيرهم حتي منتصف النهار,حين إستراحوا في
قرية مثلوا إليها,إستضافهم أهل القرية بتقديم الغداء,وبعد إستراحة قصيرة
إستأنفوا رحلتهم ,وبعد قيامهم بوقت
قصير,حل الجيش محلهم ضيفا ثقيلا غير مرغوب
فيه وهو الجيش الذي كان في محازات الرجال من ناحية البحر.إنتشر في القرية
عنيفا,وفعل بأهلها ما تفعله الرياح العاتية بالشجرة اليتيمة فوق التل ,سُئل أهل
القرية,عن شمسي وعن قمحت,وقائد الجيش هو الذي سأل مهددا كمن يؤكد بوجودهما ,ولكنه
لم يجد أثرا لهما فيها,وبما أنه لم تعجبه إفادات ألناس التي كانت بعيدة كل البعد
عما يريده,فأمر بإنطلاقة الجيش يتعقب مسار الرجال تاركا وراءه القرية المبعثرة.
في تلك
ألأثناء خاف ألأهالي علي الرجال وبما أنهم أي الرجال لا يعلمون بالجيش الذي وراءهم,وأنه
علي مسافة قريبة منهم,ولذالك كلفوا واحدا من بينهم, إنطلق يسابق الريح متخفيا عن أنظارالعدو
فأدركهم في الطريق وحذرهم من العدو الذي وراءهم.
شكر الرجال
ساعي الخير,ثم إنعطفوا يمينا متوغلين في الجبل,وقد بدأ الخوف يأخذ مكانا
منهم,ولاسيما هؤلاء الذين لم تكن لديهم قناعة لكنهم قبلوا دعوة ألإلتحاق بالمجموعة
عفويا دون تفكير جدي عندما رأوا آخرين من دونهم,فأختلق احدهم أعذارا توحي بالتخاذل.
رد قمحت
علي من قال أن لديه أطفال ليس لهم من يعيلهم غيره وأنه لا يستطيع ألإستمرار معهم بالقول:بئس
قولك,,,هذا تخاذل,ألا تعلم أن الوطن ليس له من يحميه غيرنا,كلنا لبينا نداءه,
والله وأنه
لشرف أن تخوض غمار الحرب في سبيل وطنك الذي كان فيه أجدادك منذ ألأذل,ونحن لم نُقدِم
علي ما أقدمنا عليه من أجل مصلحة أو شهرة ذاتية,لقد قمنا بما قمنا به بمحض إرادتنا
ولم يدفعنا عليه أحد ,كما أنه لم يثنينا عنه عزر من ألأعزار مهما كان,وأن هذا
الوطن يجري حبه في دمائنا وما دام هناك عرق فيه حياة فلن نكف عن الحركة, ومن يعتقد
أن من يتراجع عن مسيرتنا ويعود أدراجه سوف يعفي عنه يكون مخطئا,وسواء للإستعمار
وعد بالعفو أو تهديد بالعقاب فنحن لن نتراجع عن مطلبنا,نريد ألإستقلال لا
ألإستذلال نريد الوطن المحرر من براثن ألإستعمارالذي نحن علي طرف نقيض منه,وشتان ما بين ألأخيار والأشرار.
أضاف ناصر
شوم:نحن آمال هذا الوطن نسعى إليه بكل ما أتينا من جهد وقوة حتى يستعيد مجده ويحتل
مكانه اللائق به تحت الشمس وبين الأمم,كل الرجال الذين تراهم هنا تركوا أطفالهم وتركوا عزهم ومجدهم وفيهم من كان يعيش نعم
الحياة في ظروفه الخاصة ,قاطعه شمسي وقد أحس أن ألإشارة ضمن ما ترمي إليه تقصده:
نعم ولكن تلك كانت تصب في خدمة المحتلين ولذلك آثر الكثيرون مغادرتها وأنا واحد منهم,والله لسوف أدافع عن بلدي حتى
نهاية حياتي,وأن كل مواطن مخلص سيكون صمام أمان لبلده,وأن الخيرين الجسورين
السباقين إلي النضال هم من سيصنعون الحياة الكريمة والغد المشرق,وأن الثوار الثائرين
للوطن يعيدون له حريته,وأننا ذاهبون لنكون بانضمامنا إليهم دعما وسندا لهم,ولعمرك
ما ضاع حق وراءه مطالب وللحق صوت فوق كل صوت وأنه مسموع ومطاع,وصاحب الحق لا
ييأس ولا يتقاعس حتى لو تكالبت ضده كل
القوة. وستشب الثورة سريعا في النمو حتى تصبح القوة الضاربة وسيسطع نجمها جليا
عاجلا او آجلا, وستتسارع قوة المعتدين في ألتراجع,وستبدأ راياتهم في التهاوي يوما بعد يوم
,وأنا استخدم كلمة المحتل أو المعتدي لأن كلمة ألإستعمار تنطبق علي الدول
الكبيرة التي لها التقنية لتعمير البلاد
وألإستفادة منها كالتي إستخدمتها إيطاليا مثلا في نشر سكة حديد الذي يتسلق طريقا
إرتفاعه عدد من كيلومترات من مصوع لأسمرا.
أما إثيوبا لا قدرة لها البتة,وما عاد أحد يؤمن بها
وهي تحتاج منا ولا نحتاج منها, وبالعودة إلي ما قيل وما لاحظناه من تصرفات مشينة
لبعض ألأشخاص الذين تساقطوا آحادا عن مسيرتنا, وحسبي القول أن من في جعبته قناعة
فليتبعنا,ومن هو خلاف ذالك ليس لنا عليه سلطان فليفعل ما يريد.
وعندما
بلغت الشمس المغيب كان الرجال علي يغين بأن الجيش الذي كان وراءهم أثناء النهار لا
يستطيع أن يتحرك بالليل في جنح الظلام,كما
أنهم لم يكونوا علي علم بأنه قد فاتهم وهو أمامهم ألآن, ولذلك رأوا الهبوط إلي السهل
والسير فيه بسهولة وقد نال منهم التعب كما أنهم لم يناموا حتى هذه اللحظة,وينتابهم
شعور ممزوج من حذر وأمان وخوف واطمئنان,باتوا يسيرون مع القمر المنير تنتشر تحته رقع صغيرة من السحب الجالية ,ساروا سير السلحفاة
الدؤوب التي تدب دون كلل متقية الشر بذبلها لتسبق ألأرنب السريع الذي تركها مسافة
ثم غرق في سباته العميق,كذالك كان الحال, فعل الرجال كل ما في مقدورهم من أجل
الهدف, واجهوا مصاعب العطش والجوع بالمرونة تارة وبالخشونة تارة أخرى ,جاعلين
قناعهم ألإيمان يقيهم من كل الشرور,وفي هزيع الليل بلغوا رافدا صغيرا خالي من
الماء,وقف ما في المقدمة من الرجال علي حافة الضفة (القيف) فرأوا تحتهم شيئا ما
متناثر علي الرمال ,فقال أحدهم:أظن أنه بقر نائم,
رد عليه آخر:كيف
يكون البقر كله متشابها في اللون.
وفي ما هم
علي ذالك شاهدوا شيئا ما ينتفض بقوة,وبرز من تحته إنسان,وقد إرتمى وجهه نحوهم ,لم
يتبينوا ملامحه غير أنهم عرفوا أنه قطعا إنسان,وبعد برهة ذعر بصوت صاخب أستيقظوا ,,,أنهضوا,,,ضعنا
,,,متنا,,,قد حاصرنا الشفت,فإذا بالثياب كلها تنفض أجنحتها.
إنقلب
الرجال إلي الخلف راكضين,تعقبهم العدو يطلق الرصاص,ثم الحق الفضاء بقنابل مضيئة
مما أضاء السهل من حولهم فتبينت مواقعهم,وهم لا يعرفون إستخدام السلاح المحمول علي
أكتافهم ,باستثناء عدد قليل ,أما الباقون هم فلاحون عزّل ,بل معظمهم لم يمس بيديه
السلاح في حياته قبل اليوم.
الضعفاء
وذوي الخطى البطيئة من الرجال ألغوا
بسلاحهم وأسرعوا,وبقي ألأقوياء بإيمانهم ومبادئهم بما حملوا من سلاح.
أما الجيش
الذي يؤمن بالعودة إلي دياره أكثر من إيمانه بمأربه لم يلاحقهم كثيرا,وأنه يخاف في
الظلام من الجزع والجلمود,والغصن,يخاف من كل شيء يبدو كالثائر المستتر,يتخيله
المقاتل الذي يؤمن بالاستشهاد من أجل مبدئه,ولذا عاد الجيش إلي موقعه وبقي القرفصاء
مرتعدا طوال الليل ولم يغمض له جفن حتى الصباح.
عاد الرجال
إلي خطة ألأمس ليتحاشوا بها خطر ملاحقتهم
من قبل العدو حيث بدءوا يتكئون نحو حافة الجبل وعلي الرغم من مشقة السير فيه شجعوا
انفسهم,وحطموا مسافة طويلة بالسير العشوائي ,وما زالت أعناقهم لا تكف عن ألالتواء
بين الحين والآخر,يحدقون إلي الوراء بأعينهم المنهكة الناعسة التي تكاد أن تنام
عليها أهدابها,وتحجب عنها الرؤية,والأقدام المتثاقلة في سيرها تود أن تستحلفهم
وتدعوهم للراحة وهم يعاندونها ويصرون علي السير مهما كلفهم.
عانقوا
شعاع الشمس التي أشرقت من بطن البحر المديد,وطوت خلفها كل مآسي الليل,ابتعدوا عن
السهل مرتقين الجبل كلما ابتعدت الشمس عن مشرقها نحو كبد السماء,وفي منتصف الظهيرة
وجدوا امرأة لها ولدين:ابنا وبنتا ,تملك المرأة من الماعز والخراف مايمتد على مد
البصر .
ألقوا
عليها التحية ثم أبلغوها أنهم ضيوفها ووضّحوا لها مقصدهم وهدفهم,
رحبت بهم
ترحاب ألأهل والأحباب,وعلي الفور نادت اثنين منهم ,وطلبت منهما أن يحضرا كبشين
لاستضافتهم,
قالا:نكتفي
ألآن بواحد,وإذا لم يكفنا نزيد الآخر لاحقا ,وكان عددهم قد تناقص كثيرا.
قالت
ألمرأة نأسف لأننا نستضيفكم باللحم واللبن فقط ولا يوجد لدينا ما يكفي لعددكم من
دقيق,
نحن كما
الفلاح يزرع البذور والأشجار ويحصد محصولها ,نحن نقتني ألأغنام ,ونجول بها حيث
المراعي ,نمضي معظم ايامنا في ترحال دائم تعقبا لموسم ألأمطار بحثا عن الطعام لقطعاننا,لتلبي
هي الأخرى طعامنا وحاجاتنا.
قال شمسي
:كلا لا تأسفي هذه نعم ألإستضافة,في بلدنا عدد كبير من الناس موردهم الرئيسي هو
الرعي,وآخرين مثلهم من الزراعة,ولولا الراعى في كل أرجاء البلاد لقلت الحيوانات
ألأليفة وبالنتيجة تقل اللحوم والألبان ومشتقاتها,وكذالك لولا الفلاح لقلت البذور
والثمار,وكلما عمل ألإثنان كان لجهدهما ثمرة,وهناك من يجمع بين هذا وذاك ويضيف
عليهما العلمَ تنويرا للطريق وبنضالنا
سنصل إن شاء الله إلي مستقبل أفضل,لليوم الذي يتعلم فيه ولداك وأشار بيده إليهما.
ذبحوا
الخروف وتناولوا وجبة الغداء,وقسطا من راحة القيلولة,وعندما تهيئوا للمغادرة,أخذ
شمسي يخرج العَلم الأرتري طالما قال عنه:نعم الصديق,يرفع من معنوياتنا,حبذا لو كان
لكل منا قطعة يستأنس بها.
وهذا ما
كان يفعله في كل قرية يستريحون فيها قائلا: نحن من أجل الحرية وهذه ألأرض ومن أجل هذا العَلم ذاهبون,ترتفع
عندها الكثير من زغاريد النساء,وإن كان الناس في الأرياف البعيدة النائية لا
يعرفون آنذاك معنى العلم(الراية) ,كما لا يعرفون بأن ألأرض تدور وأنها
بيضاوية الشكل ولكنهم حتما يعرفون الحرية
بالسهول ألأخاذة التي هي مرتع أنعامهم, وروابيها الخلابة ومروجها الخضراء وينابيعها المتدفقة وهوائها
النقي المنعش ويعرفون ألأرض بانبساطها ويعرفون الوطن بالغريزة الفطرية الموجودة
لدى كل إنسان ولذالك كانت للدعوة نتائج إيجابية,وأقول علي لسان الراوي:
كان العَلم
قطعة صغيرة صنعت خصيصا لهذا الغرض,وعند هبة النسيم ترفرف بلونها السماوي وتضرب ثناياها,وقد بان في
وسطها غصني زيتون كل منهما بأحدي عشرة ورقة,كادا أن يكتملا فى إستدارة,يتوسطهما
غصن ثالث زاد العلم رونقا ورقة,ولحبنا الكثير له حينا ننظر إلي أوراقه من مسافة
قريبة البعد فكأننا ننظر إلي غصن شجرة مورقة في الطبيعة.
هذه ألمرأة
لم تزغرد كسابقاتها من النساء,ولكنها فعلت كما كان يفعل بعض الرجال الكبار,رفعت
كلتا يديها إلي أعلي ودعت لهم بأن يحفظهم الله ويكلل مسعاهم بالنجاح والتوفيق.وفي
المقابل تركت بنتها جانبا وأمسكت ابنها بساعده ثم قالت:أنتم أيضا أدعوا لي بأن
يبارك ألله لي فيه ويحفظه من كل أذى ,هذا إبني الوحيد,بمثابة أخ وإبن,وهو رجل
البيت,وقد توفي والده.
دعوا لها
بالخير واليمني ورعاية الله,ثم انطلقوا في
سيرهم مصطفين,وبعد ساعات من الرحلة بلغوا واديا يتوسطه نهر موسمي صغير,وفي الفصول
ألأخرى لا ينضب تماما من مياه تتبارى علي
جانبيها الحصى والرمال.
وكانوا قد
انقسموا إلي مجموعتين ,تفصل بينهما مسافة إثنتين من الكيلو مترات أو تزيد قليلا,
وكان
القائدان كل منهما في مجموعة,كان شمسي في المجموعة المتقدمة التي نزلت منحدر
الوادي وأشرفت علي مياهه ألتي ما أن بلغوها حتي إنكفئوا فيها بأفواههم ليبلّوا شفاههم
وحناجرهم الجافة.
وبعد أن إرتووا
من مائه مكثوا علي ضفته وقتا قصيرا, منهم قيام ومنهم قعود,في إنتظار نصفهم المتأخر
لفت انتباه
أحدهم شيئا ما في الماء,كان من الذين أعطتهم
ألأيام درسا فاكتسب منها خبرة,لاحظ مالم يلاحظه الآخرون.
قال:أري أن
الماء يصلنا عكرا.
قال
آخر:أنني أري الماء رائقا ليس به تعكير,وأضاف يسأل من حوله المجموعة:هل ترون شيئا يا جماعة؟
قال ألأول
مستعيدا دوره:تبدو هكذا,,,ولكن لاحظوا,,,قال وهو يتقدم رويدا بجانب الماء إلي
ألأعلى: ,,,ماذا تعني حبات الرمال الغير مستقرة ,هاهي تجري وسط الماء,وهذه قشة علي
سطح الماء,ومضت قبل قليل قشتين أخريين,ومن المعروف أن المياه تعالج من شأنها بشكل
دائم كما في سائر ألأحياء,وتنقي تعكيرها أثناء إنسيابها ولكن لا يمنع ذالك من أن
تصلنا بقايا إشاراتها في بقع قليلة بينما تبدو في الشمول صافية.
وفيما هم
علي هذا الحال جاءت بعض حيوانات البراري
جافلة :غزلان,حمير الوحش,,,
قال واحد
من الجماعة:ربما هي التي تسببت في التعكير الذي تزعمه انت.
فرد عليه
اللبيب:وإذا كانت هي التي فعلت ,فممن تهرب؟!
عقب
آخر:ربما جاءها حيوان مفترس,,,.
عندئذ قد أعدلوا عن فكرة الإنتظار,واجمعوا علي مغادرة
المكان, فعبروا جوف الوادي وبدءوا يصعدون المرتفع المطل عليه الذي تكثر به
ألأشجار.
في هذه
الساعة كان قنحت قد بقي مع من أعياهم المسير الطويل,الذين يدفعون أجسادهم عنوة إلي
ألأمام,وكانوا حينها في المنحدر هابطين,تفصلهم عن الماء مسافة قصيرة تكثر بها
ألأحجار المتشابكة والمجاورة لمزرعة صغيرة.
وفي هذه
اللحظة فجأة,ودون سابق إنذار,وجدت نفسها المجموعتان (ألمتقدمة وألمتأخرة) وقد حال
بينهما سيل من ألمشاة والحصين التي تعلوها العساكر التى كانت تسلك الوادى,وعلي
الفور بدءوا بإطلاق النار.
طلب قمحت
من المجموعة ألتي معه أن يستقروا في سواتر بين ألأحجار,ثم عاد يطلب منهم ثانية أن
يحاولوا ألإنسحاب زاحفين أو منحنيين للنجاة بأنفسهم,بينما ظلّ هو يقاوم .
عندما رأى الجيش
عدد من الرجال المسلحين من علي بعد إعتقدهم الثوار المدربين,ففضل أن يأخذ مواقع
دفاعية ولم يحاول الهجوم عليهم.
في هذه
اللحظات الحرجة سمع الرجال وهم في طريق إنسحابهم
زاحفين,بأنه أي قمحت كان يرسل غمغمة مغوار ويتحدى من وقت لآخر:أن هذا اليوم
تمنيته وانتظرت قدومه.
وخاصة,أنه
تنبه أن أفرادا من الذين كانوا يعذبونه في السجن يتواجدون بين الجيش الذي يحاصره كان
ينادي شخصا معينا : أنت اليوم لا تجرأ ألإقتراب مني والسلاح بيدي كلينا,وإختباءك
بعيدا وإكتفاءك بدفع جنودك وإرتجافك من منازلتي يجعلني سعيدا.
وقد تيقظت
عنده غريزة القتال والمغامرة الفردية,وإشتعل نار حماسه وتأجج طالما خاضها بشجاعة وجسارة
دون تردد,وبثبات واقتدار غير مضطرب,وبصوت عال غير منخفض.
وفي الوقت
الذي كان يتم فيه تبادل اطلاق النار بين قمحت والجيش نطق واحد من مجموعة سعيد شمسي
المتقدمة في أسا : يا للرجال المنكوبين بكمين العدو,علينا أن نفعل شيئا ,فلنقم
باطلاق النار عسى أن يساعد ذالك في فك الطوق عنهم, ,إلا أنه رفض شمسي رفضا مطلقا,وحذرمن
أشار إلي ذلك بالقول:إياك والتهور ,وسوف أطلق الرصاص علي من يطلق,يجب عليكم أن
تبدءوا بتعلم مبادئ العسكرية وألإنضباط
بها من الآن,يقود القائد فينقاد المقود,يأمر ألآمر فيلبي المأمور,وإن رفض
لا محالة فالصدام واقع بينهما.
وأن كل حركة من شأنها أن يكتب لها النجاح إذا
أحسن اصحابها التصرف وإذا أساءوا يمكن أن
تتعرض للفشل,ولا نريد أن نتسبب في فشلنا,وأن صدور أي رد فعل من جانبنا ستكون فيه نهايتنا,وأن هدفنا ألأول هو أن نصل إلي مواقع
الثوار,وبعد التدريب والإعداد الجيد ننطلق
من أجل هدفنا ألأكبر للتحرير نرد فيه في مثل هذه المواقف وغيرها,أما الآن ماذا
نحن؟من منكم يعرف ان يستحدم السلاح؟
فقط نحن
إثنين او ثلاثة من يتعامل مع السلاح أمام
عدد كبير من الجيش, ألا ترون ماذا حل بالمجموعة الأخرى؟.أريد ان تكون طريقة
تعاملنا مع الموقف موضوعية وعقلانية,قصتنا لا يجب أن تنتهي هنا بل عليها أن
تستمر.
أن الجيش عندما تيقن من وجود قنحت وبقائه
مقاوما,اعتقد أنه قطع الطريق علي كل المطلوبين,فظل يمشط المنطقة التي حاسرها,مما جعل
سمشي ومجموعته يتمكنون من ألإفلات.
وبعد
المقاومة التي ابداها قمحت,إلتف عليه جيش
الكمندوس فأصابته رصاصة,وأنقذ رفاقه بتلك المقاومة الباسلة,وبقي هناك حيث رحب أفاق
الوادي بالقائد المقدام إلي ألأبد,وكانت صبغة دمه عربونا لنضال مرير قادم في
الطريق,وكان تأكيدا لماهية تلك ألأرض وإمتلاكه لها.وطوبى لهذا القائد وأمثاله ممن
يتقدمون المجموعة في المعركة حتى تنالهم المنية.
تفرق ألرجال
بعد إنسحابهم في اتجاهات مختلفة إلي حيث وحسب
ما تقتضيه سلامة حياتهم,
أما الجيش
فقد أدرك الخطأ الذي حدث,وأن شمسي قد فلت للمرة الثانية وهذه المرة من الجيش في
الخط الثاني ,وبأستخدام الكشافات تيقنوا أنه أمامهم,فأمر قائد الفرقة ببذل كل ما
بوسعهم من أجل اللحاق به لإعتقاله.
كانت عملية المطاردة دافعا للرجال لتحمّل صعوبة
الطريق وجفافه, ومنشطة لكوامن الطاقة ألإحتياطية يجابهون بها ألإعياء وألإرهاق في
أجسادهم,كما أن رغبتهم الكاسحة بلا حدود من أجل الثوران والثورة تمنحهم قدرة المتابعة وقد باتوا أشد إصرار شقوا
طريقهم يقطعون المسافات بخطى سريعة,وعلي مر ألأيام الماضية بذلوا الجهد الكبير,شجعوا
انفسهم وطوعوها لتعتاد السير في نهارٍ شديد حره,وفي ليل غارس برده,وفي هبوب ضارب
ريحه,أنهم تجاوزوا وعورة التضاريس في إرتفاعها ثم أقبلوا علي خطورة الصحراء في
جفافها ورأوا في مقدمتها الرمال ثم السراب,أنهم
قاوموا من أجل الحياة وتشبثوا بها دون يأس,وزحفوا إلي ألأمام باستماتة.
علُق أحدهم
مشفقا علي حالهم بالقول:أخشى أن نتمدد بالحرارة كالمعادن فنصبح سبائك مرمية علي
الصحراء
قال
شمسي:لا بأس حينها يمكن إستخدامها في المصانع.
رد عليه
آخر مجبرا شفتيه علي ألإبتسامة:كما يحدث في صياغة الذهب والفضة
وقال آخر:
أن هذه الصحراء بكل قساوتها بها من يعيش فيها ويمكن أن نستعين بهم إذا وجدناهم.
عاد ألأول
وقال:أرى قدميك تدميان,ولقد تقرحتا,لم يسبق لك أن عشت ظروف قاسية كهذه أليس كذالك؟.
رد شمسي:وتقرحت
يداي أيضا,ألا ترى هذا الدم,ثم أضاف: أظن لا أحد منا عاش أياما مثل هذه ألأيام
العسيرة,ولكن يمكن أن تكون أهون مما هو قادم,لا تعدو أن تكون مقدمة للنضال الذي له
متطلباته وأعباءه وتبعاته.
عاد ألأول
معقبا:كل هذا سيبقي في طي النسيان حالما نجد غاربا يقلنا من ساحل في جنوب البحر
ألأحمر إلي شماله,ثم لو تمكنا أن نقوم بالدوران عائدين إلي مواقع الثوار في الوطن,وحينها
نكون قد ظفرنا بأمنيتنا التي لا تضاهيها أمنية.
وقد شاهدوا
من بعيد مدينة عصب,وبما أنهم لا يستطيعون ألإقتراب من الميناء الرئيسي فبدأوا يبحثون عن مراكب خاصة بعيدة عن
المدينة,فرأوا غاربا راسيا علي جانب البحر
فتوجهوا إليه وفي لحظة وصولهم
هناك أشار لهم شمسي إلي شجرة ليمكثوا فيها بينما ذهب هو بصحبة نأصر ليتفاوض مع
صاحب المركب
حيا شمسى الرجل وطلب منه أن يساعدهم في السفر ,فيما الرجل ظل يحدق إليه بإمعان طويلا
,وقد ظهرت علي وجهه ملامح التوتر وريب ثم سأله عن اسمه, وعندما علم قال:صحت ظنوني
رأيت صورك معلقة في بعض شرفات المكاتب داخل المدينة,وأنه تم تعميم تعليمات القبض
عليك,ولا اعتقد أن هناك من يستطيع أن يساعدك ويستحيل أن أكون أنا من يساعدك في
الهرب,وإن فعلت ذلك أكون قد قضيت علي نفسي بنفسي.
في هذه ألآونة أن ناصرا قد رأى من بعيد إذ نبه شمسي إلي الغبار المتصاعد
عن ألأتربة التي تثيرها الحصين الراكضة للحاق بهم.
دقائق
الزمن التي تمر سريعة تنطوي في طياتها معاني الرجاء والخوف, والتفاؤل والتشاؤم والأمل
واليأس والحياة والفناء ارتفعت فيه خفقات
القلوب وكل شيء يسير بوتيرة أسرع, ما عدا رحلتهم التي بطئت بل تعطلت تماما,وأنهم
قد بلغوا السد ألمنيع الذي لا يستطيعون إختراقه,أمامهم البحر ووراءهم العدو, وأنه
لا يوجد مخرج لمأزقهم غير فكرة ركوب
البحر.
أستنهض شمسي في نفسه كل ذكائه وفطنته كي يستميل
الرجل محاولا التماس تعاطفه للحصول علي موافقته لنقلهم إلي بر ألأمان.
وحاول ناصر
بدوره مع الرجل مرات موضحا أن كل ما لاقوه هو من أجل وطنهم ولكن كلها باءت بالفشل.
وبعد
إخفاقهما في الخطوة التي كانا يعلقان عليها ألآمال من أجل الوصول إلي مواقع الثوار,عاد
الرجلان إلي مجموعتهما وهما في غير حالهما يائسين بائسين,وقد ضاقت عليهما ألأرض بما
رحبت,وصغر عليهما ألأفق بما وسع ,وحقرت عليهما الحياة بما طابت وكانت أيضا صدمة
كبيرة لكل المجموعة.
قال شمسي:انطلقنا
نحمل في جعبتنا أملا لنمنح الضعفاء قوة فإذا بنا نضعف ألآن ,أن كل من لديه حيلة
لتخليص نفسه فليتوكل علي الله فأنا منذ اللحظة في تعداد المفقودين أو كالفريسة التي وقعت في المصيدة,وفرص
بقائي حرا طليقا بل بقائي في الحياة بات ضئيلا,
"لقد
أصبحت لحما في القفة" يقول الراوي(صالح
بوري): هذه آخر جملة سمعتها وحفظتها عن سعيد شمسي في لحظة الفراق,توجهنا علي أثرها
إلي الخلف لأننا كنا قد دخلنا في شبه
الجزيرة محاطة بالمياه ماعدا الجهة التي أتينا منها وفي هذه اللحظة لم نكن فقط نرى
النقع المتصاعد من ركض الخيول التي تمتطيها العساكر بل أصبحوا في مرمى أعيننا يتقدمون باتجاهنا وقد بلغوا
بوابة شبه الجزيرة التي نحن فيها.
قال :رأينا
علي مسافة أشخاص يغسلون ألبستهم توجهت بصحبة آخر نحوهم ,القينا عليهم السلام ثم
جلسنا نحآدثهم ,,,يا روح ,,ما أغلاكي,,,وفي وقت قصير تمكنا من صنع ألألفة معهم كأننا
من أهل المنطقة ولتوكيد ذلك بقينا في
اللبس الداخلي بعد أن نزعنا الخارجي وبدأنا نسبح في الماء,ومن علي بعد رأينا إثنين
من رفاقنا سألا رجلا مارا في طريقه فأسا ثم بدءا يقطعان شجرة كمن يجمع الحطب,بينما
توجه اثنان آخران إلي الجهة التي رأيا فيها أغنام دون راعي فنصبا نفسيهما راعيان
وشرعا يهزان شجرة لإنزال ثمارها للماعز,وأنضم آخرون فيمن يصطادون السمك
وعندما يتوقف
الجيش مناديا من يراه من علي بعد ليسأله
بعض ألأسئلة يصادف ذالك أن يكون بمقربة من بعض أفراد مجموعتنا المنتشرة ,حينها نغض
النظر ولا نكترث ولا نلتفت لندائهم,فيتوجه إليهم تلقائيا واحد من أهل البلد الذين
لا فكرة لديهم عن قصتنا!.
,وبعد
سماعهم لإفادات الشخص يقتنعون (العساكر) بأننا من أهل البلد نتواجد هنا لضروراتنا
ولا دخل لنا بالمطلوبين,فيمرون نحو شمسي ورفيقه
الذين بقيا وحدهما قابعين في ركن الجزيرة مستسلمين لقدرهما,وأنهم (العساكر)
متأكدون من وجود شمسي هناك.وبعد بلوغهم الزاوية ألأخيرة كنا نعتقد أنهما سيستشهدان فى استباك معهم,غير اننا لم
نسمع اطلاق نار,هل يمكن ان يكون قد القى القبض عليهما دون مقاومة,حزنا وغلقنا
عليهما كثيرا.ومن ناحية اخرى لم نكن نستطيع ان نتحدث بشأنهما حتى لا نلفت انتباه
الأهالى الذين معنا حول ماهيتنا .
ولكن من لطف الله وشهامة صاحب المركب الذي عاد
ووافق علي إبعادهما من الخطر فأشرق وعاد إليهما ألأمل الهاجر وإستنشقا رحيق
النجاة,ووجدا في إيقاع ألأمواج لحن الحياة
,وحينما حل العسكر مكانهما,كانا قد ركبا عباب البحر,وأنهما قد نفذا من عنق الزجاجة
وللمرة ألأخيرة في لحظة الصفر ليعودا ويلعبا دورهما كاملين في النضال.
وحتما أن
شمسي يكون قد علق العلم ألارتري علي جانب المركب ليرفرف ويعلن النجاة ولأنه هو
الآخر كان متهما يراد القبض عليه.
Saleh_mahmud2003@yahoo.com
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق