31‏/05‏/2011

الإنتماء للوطن … بين الحقيقة والوهم

بقلم / عبدالواحد شفا
شعور الانتماء للوطن لايتولد بين ليلة وضحاها،ولا يكون بقرار طبيب أو(بروشة) يتفنن في صرفها اصحاب الصيدليات، وإنما هي عملية كيميائية تمتد منذ التاريخ ،فالواقع بما يحمله من ثقافة وقيم وتراث ولغة ماهو الا مرحلة او جزء منها ، فحب الوطن جبلة جبل الناس عليها جميعاً ،وهوى سكبت من اجله محابر كثيرة ، لذا كم ترنم الشعراء به فهذا مصطفى صادق الرفاعي يقول :-
بلادي هواها في لساني وفي دمي يمجدها قلبي ويدعو لها فمي
ولا خير فيمن لا يحب بلاده ولا في حليف الحب إن لم يُتيمِ
ولطالما الامرُ كذلك ،فان المسالة لم تعد امرا إختياريا ،يخيرُ فيها المرء بين الانتماء وغيره ، صحيح أن الانتماء لا يظهر في ابهى صوره إلا في مناخ العدل والحرية

والمساواة ،وقديما قيل صريح الانتماء بصحيح المناخ ، لكن الامر ابعد من ذلك وهو ان العلاقة بين الوطن وإنسانه هي علاقة طردية ( الإنتماء المتبادل) وهذا ظاهرٌ في قول رسولنا الكريم (هذا جبل أٌحد يحبنا ونحبه)،وكما ذكر الجاحظ في رسالة الحنين الى الاوطان قال ( كانت العرب إذا غزت أوسافرت حملت معها من تربة بلدها رملاً وعفراً تستنشقهُ ) ومقولة ارسطو الشهيرة تأخذُ ذات الاتجاه (المعرفة هي الفضيلة والفضيلة هي حب الوطن ) ،،،
سبب كتابة هذا المقال دار حوار بيني وبين الاخ تسفاي حول قضايا الوطن المختلفة قديمها وحديثها ومآلها ، لكن ما تفاجأتُ به ُمن حوار الاستاذ تسفاي هو تشخيصه لازمة القضية الاريترية بعدم الانتماء الحقيقي للوطن ؟ وقالها بفصاحةNo real affiliation to the homeland هذا الكلام ذكرني بظاهرة ( الانتماء الليلي للوطن ) وهذه تعتبر من القضايا المسكوت عنها ، بحسب نظرية البروفسير والباحث الانثربولوجي فرانسيس دينق ( ان المسكوت عنه هو الذي يفرقنا ) ،والاخ تسفاي تكلم في المسكوت ، وكم اجد نفسي متفقا معه ، لان ظاهرة ارتريون بلا حدود او ظاهرة الانتماء النصفي ، هي التي ضيعت القضية الارترية ،وللاسف هذه الظاهرة تجدها فيمن تصدر للعمل العام .
الحقيقة التي اودُ تدوينها هي أن العنصر الآخر لم تسجل له حالة واحد على امتداد التاريخ في قائمة ( الإنتماء الليلي )night affiliation فهم ارتريون على مدار الساعة . ومما يعضد قولنا هو هنالك رواية مشهورة يتداولها الاسلاميون فيما بينهم همساً ، هذه الرواية مفادها ان قياديا إسلامويا ( ماليا ) ذكر في إحدى إجتماعاته ان من نعم الله عليه انه لايوجد له قريب في داخل ارتريا ،او بمعنى ان جميع اقاربه هم في السودان ، هذه الرواية بالرغم على عدم ضبطنا لمتنها إلا انها تكشف المأزق الحقيقي للقضية الارترية من جهة وتفضح ُ عقيلة قيادات العمل المعارض من جهة اخرى. صحيح لا يمكن تعميمها ،لكنها تدعم وتثبت ما ندعي اثباته من وجود الظاهرة ،بالله كيف يمكن لنا ان نتصور أن شخصا ما يقود عمل معارض وهو لا يعرف طبيعة المشكلة وتعقيداتها وبئتها ومناخها وأهلها وجبالها وسهولها ، وهو لم تمر عليه ازمات الهجرة واللجوء والعودة لا في شخصه ولا في اهله ( على حسب الرواية ) .
هذا الجهل (بالارض والانسان) مصحوبا بإخفاء الهوية (identity hide )هو سر ضياع القضية الارترية ، وعدم إعتراف (اسياس ) ببعض قيادات المعارضة بصورة نهائية ينطلق من هذه الزاوية (كما يظن الاخ تسفاي ) وفشل العمل المعارض في اسقاط نظام هقدف يعود الى هذه النقطة ،وهي أن المعارضة اصبحت تتحكم عليها مجموعات الانتماء النصفي ،وهذا ما جهر به الدكتور جلال محمد صالح في إحدى محاضراته ، حيث قال أن العمل السياسي لايمكن له ان ينجح في ظل قيادة مجموعات محددة (وهذا بعد محاولة تحوير للكلمة التي نطق بها ) .
قلنا كثيراً حتى بح صوتنا وجف مداد قلمنا أن نجاح الحوار مع الاخر ، يتطلب إجراء مصالحة حقيقية (real reconciliation ) مع الذات والتاريخ والجغرافيا، وأن المصالحة لاتتم إلا بلإستعداد الداخلي وبتوفر قدر كبير من الشجاعة ، لان المسألة لا تبتعد في اصلها عن مسائل الإعتراف أما التاريخ ، وهذا المسلك هو المدخل الحقيقي لتحرير موضع النزاع، ولمعرفة مواطن العلل والإصابة ، وأي محاولة لتشخيص الازمة الارترية بعيده عن هذا الخط ، هي محاولة (التفاف ) ومتابعة رضا الذات .
وتركيزنا على أصل الولاء والانتماء للوطن نابع من ان مسائل التضحية والبذل والعطاء تابعة له ،ومتى ما وجد الاول لحق به الثاني .
السؤال هو كيف يمكن لنا أن نقرأ هذه الظاهرة قراءة موضوعية تسمحُ لنا أن نقف في الإتجاه الصحيح ؟ مع علمنا ان مثل هذه الظواهر تعد أمر طبيعياً من منظور العلوم الإجتماعية كما يقول الدكتور حمودان عبدالواحد (لايوجد شخص لا تحركه حوافز سياسية وحزبية او دوافع ايدولوجية او نعرات طائفية او مذهبية او إنتماءات إجتماعية او مصالح شخصية ) لكن ما نرفضه من الدكتور هو ان تتوفر هذه الخصائص فيمن يتصدر للعمل العام ، ثم ثانيا هذه المحركات والدوافع تكون في داخل الوطن مع ثبات الانتماء لا إختفائه ؟ ولا يمكن أن نجعل قضايا الانتماء محلات (للبيع والشراء) في سوق التورية السياسية ،،،،،

ليست هناك تعليقات: