09‏/09‏/2017

إنهيار الدولة الحديثة في البلاد العربية : مقاربات المفكر بروفيسور التيجاني عبدالقادر


تحرير وتنوير /عبدالواسع محمد 
ظل الأستاذ الفاضل جمال سعيد يردفني بالمحاضرات الفكرية عنوانها وشخوصها وآخرها المعنونة أعلاه قائلا لي في رسالة لطيفة  شيخك في محاضرة من العيار الثقيل وشيخي الأول قطعا معروف عند الاستاذ جمال ،    المهم يممت وجهي صباح اليوم شطر جامعة الخرطوم قاعة د.مكي شبيكة ؛ واليوم إستعادت الجامعة دورها المفقود وألقها المعهود والحقيقة لم أرى زينة وجمالا لجامعة الخرطوم كزينتها اليوم فضحت عن المستور من جمالها كأنها عروس في يوم  (( زفتها )) .
والتيجاني عبدالقادر  مفكر  متميز عرفت مساهماته بالجدية
والرصانة كما عرف بتفاعله مع الواقع منذ ان كان طالبا ؛ وظل يردف المكتبات العربية والمجلات البحثية باطروحات فكرية عميقة الرؤية متماسكة الطرح     شديدة الواقعية . وهذا يلاحظ في مساهماته الماتعة 
1/ الفكر السياسي في القرأن المكي 
2/  قيمة الزمن في الفكر الإسلامي 
3/  نزاع الإسلاميين في السودان 
وغيرها كثير ولعله الآن مشغول بتأثيرات النص على الواقع السياسي والاجتماعي ؛ كل هذا يجعل التيجاني موضع إهتمام للباحثين والمهتمين بالشأن الفكري وعليه اكتظت القاعة عن بكرة ابيها بالواقفين والجالسين وعلى جنب وظل الاحتجاج يرافق الندوة بنقلها إلى مكان آخر ؛ ولكن  انانية كلية الفلسفة وعميدها الآن حالت دون النقل ؛  بإعتبار ان التيجاني خريجها وهذه لعمري  نظرة ضيقة .

بعد هذه المقدمة ندلف إلى جوهر المحاضرة وهي ظاهرة انهيار الدولة في الدول العربية 
افتتح  البروف في مقدمة المحاضرة  بطرفة ظريفة خفيفة وهي انه عادة في المجتمعات العربية يتحدث عن المشرق عندما يكون في المغرب ويتحدث عن المغرب عندما يكون في المشرق وهكذا في تلميحة إلى الأمن وحريات التعبير المقيدة 
استعرض التيجاني عدة نماذج
 أولا النموذخ الخلدوني 
ثانيا النموذج ألبرت الحوراني 
ثالثا المفكر هنتجتون 
رابعا  تيدا شكوشيول 
وقبل ان يشرع في عرض النماذج وضح منهجه القائم على الأصول الثلاثة وهي  الشرح  /  النقد /  الاستدراك 
بين الدكتور ان الدول العربية الحديثة كانت تدار مركزيا بنظام سلطوي ذات ثقافة إنجليزية غالبة وهذا إلى وقت قريب واستمرت تقريبا ثلاثة عقود إلى ان وصلت مرحلة الإنهيار ..!  السؤال الذي يطرح لماذا إنهارت ..؟
وهنا يتكئ التيجاني على كرسيه مرتاح البال  من جهة وعلى  عقله التحليلي المتخصص في الظواهر الاجتماعية من جهة أخرى  ؛ شارحا مراحل الانهيار بثقة يحسد عليها ....
( وظاهرة إنهيار الدولة حسب رؤية ابن خلدون هي روية مقارباتية بالجسم الإنساني حيث يبدأ بالطفولة ثم الشباب ثم الشيخوخة ثم الموت وفي فلسفة الدولة يرى أنها تقوم على العصبية والإنفراد بالمجلد موظفا هذه العصبيات وما توفره للملك من حماية وتمديد في الحكم ثم تأتي مرحلة الصنائع  والتعبير لابن خلدون وهي صناعة البديل للفريق الأول من النخب والمفكرين والجيش والحركيين واهل بدر عموما ؛ وتفيد هذه النظرية اي فكرة الصنائع في معرفة ودراسة طبيعة الصراعات بين النخب والاتجاهات المختلفة في مؤسسات الدولة وكيفية توظيف هذا الصراعات للعصبية المركزية ).
عموما وجهت الكثير من الدراسات النقدية لفكرة ابن خلدون والتعبير لتيجاني وخاصة في تشبيه الدول بالإنسان وإعطائها عمرا زمنيا مجددا وآخرها مرحلة الشيخوخة والموت وهل الدولة تموت ..؟   وهنا يتفق  التيجاني مع نظرية ابن خلدون ويرجح منطقها في موت الأنظمة  .
النموذج الثاني هو البرت الحوراني وهو مفكر لبناني والحقيقة هنا ان  الحوراني  اعتمد في تحليله  كليا على تحليل ابن خلدون غير أنه بدل مفهوم العصبية بمفهوم الحزبية وظلت الأحزاب تؤدي حسب تفسيره  نفس أدوار العصبية القبلية لكنه استدرك بالقول ان عوامل انهيار المنظومة الحزبية متوفرة بقوة وهي تنازع المؤسسات بين مراكز القوة وصراعات الأفراد والأطراف ومحاولة كل طرف تأسيس علاقة خاصة بالرئيس وحسم  الخلافات عن طريق هذه العلاقة بالرجل الأول ؛ كان الأولى حسم النزاعات عن طريق الدستور لكن للاسف الشديد في الأنظمة العربية تحسم عن طريق الأجهزة الأمنية القريبة من دوائر الرئيس وحاشيته ،  ايضا يرى البرت حوراني والتعبير للتيجاني ان الأنظمة الحديثة أنها تقوم بالاحتماء بشرائح اجتماعية معينة (كحالة السودان )  وهذا التوصيف (مني )  فإذا شعرت هذه الشريحة بإنهاء مصالحها نفضت يدها من النظام او ولت ظهرها .ويرى الحوراني ايضا ان انهيار الدولة الحديثة يبدأ بإنهيار الشعارات كالمشروع  الناصري والبعثي  والمشروع الحضاري كلها كانت شعارات دون وعي حقيقي بمضمونها حسب رأي د. التيجاني .
النموذج الثالث وهو المفكر الشهير هنتجتون وقبل ان يبدأ الدكتور التيجاني بتفكيك نظرية هنتجتون عاب عليه انه لم ( يشير ) في مساهماته الى ابن خلدون وجزم التيجاني ان هنتجتون قد قرأ لابن خلدون ؛  المهم يرى هنتجتون ان انهيار الدولة في المجتمعات الحديثة تبدأ بظاهرة الفجوة بين التنمية الاقتصادية وتقدمها وبين التأخر في العملية السياسية وضرب التيجاني مثلا سقوط نظام الشاة  في ايران ونظام هيلي سيلاسي كلاهما اهتم بالتنمية البيضاء حسب تعبير د.التيجاني لكنه يستغرب من   خلاصات هنتجتون القائلة ان الثورات تقع في المجتمعات الإنتقالية وليس المجتمعات البدائية .
اما النوذج الأخير الذي استعرضه د.التيجاني هو الأستاذة تيدا شكوشيول وهي تلميذة هنتجتون لكنها قامت باستدراكات عميقة على النظم الرأسمالية ومساهمتها في صناعة الثورات وشخصت طبيعة النظام المرشح للسقوط أنه منغلق وغير قابل للاستعاب وغير قابل للإصلاح .غير منفتح ومعظم النظم القائمة لها علاقة بالنظام العالمي  الرأسمالي ، لانه يوفر لها حماية وإعلام ومال ، وقد انتقدت نظرية استاذها  هنتجتون  القائلة (( اذا حصلت تنمية مع استبداد نقبل به ))   وقال التيجاني اذا فقد النظام قدرا من مشروعيته تتخلى عنه الدول الرأسمالية كما في حالة مصر وتونس ... والحقيقة لم أفهم النموذج الأخير لكن يبدؤ ان التيجاني أورده لاعتبارات فكرية حيث ان تيدأ قامت بمراجعات فكرية كبيرة حول المدرسة الماركسية والمدرسة الليبرالية الحديثة .
وفي خاتمة المحاضرة الماتعة نبه التيجاني أنه لم يعرض إستدراكاته ويرى أنها   المرحلة الثانية اما الان نحن  في مرحلة الأولى وهي إقناع المريض بأنه مريض .!! ؟
وما أن أمسك التيجاني شفتيه انهالت علينا عدد من المشاركات الموضوعية  والمداخلات القيمة لكن اغربها كانت من شخصية أكاديمية معروفة وهو البروف زكريا بشير إمام قائلا في معرض الجواب  ماالحل (( ان  الحل هو إستعادت النموذج الراشدي الأول من الخلفاء الأربعة )) والحقيقة هذا (( وهم كبير)) والتعبير ( لي ) ويعكس مدى التبسيط لمفهوم  النظام السياسي وتعقيداته ؛ ورد التيجاتي على سؤال البروف باستحالة تطبيق النموذج وذاك للفارق  الزماني والفارق المكوناتي للنظام نفسه لكن يمكن  إستعادة القيم  الاخلافية كقيم العدل والبعد الإنساني في التجربة الراشدية ، وهكذا جلسنا ما يقارب الساعتين أمام مفكر عتيد يمتلك ناصية التحليل البنيوي للظاهرة السياسية .

اما مقابلتي مع استاذنا  د. التيجاني هذه قصة أخرى ،،

( هذا وليبقى مابيننا )

ليست هناك تعليقات: