كثيرا ما كان يلعن استاذنا الواثق كمير وسائل
الواتساب ، والسبب غالبا ما تصله الأخبار المفجعة عبر هذه البوابة اللعينة حد وصفه ، *ولم اكن
راضيا او متفقا معه على هذا الوصف القاسي لمنصة لا تحمل وزرا اكثر من غيرها ، ولا تحتمل كل هذا الشقاق* ، ومن ناحية ارتبط الناس عطفاً واوفروا حبا زائدا لهذا الوسيط ، غير أن هذا التحفظ على لعن الواتساب لم يدم عندي طويلاً ، وسرعان ما صرخت في وجهه واصحبت اللعن الواتساب مثله حزو النعل بالنعل ، كيف لا وانا اتصفح اليوم الواتساب المحبوب لدي قديما والملعون حديثا ينقل لي رحيل المفكر الضخم منصور خالد بلا مقدمات ، آللهم لا معقب لحكمك تفعل ما تشاء ، رحل منصور في صمت على خلاف منهج حياته ، رحل بعد ان عاش حياة مليئة بالتدافع والحركة والإنتاج والتوثيق ، لاشك برحيله يمكن أن نقول او أن نجازف بالقول ان الساحة *تيتمت تماما* ، ودور الفكر والثقافة فقدت نظاراً ومثقفا نادر قل ما يجود به الزمان ، *سبعة عقود ومنصور يقود حركة التنوير والتجديد وإزالة التغبيش .*
*غادر الدكتور منصور بعد ان عاش حياة مرهقة متعبة لم يرتاح فيها ابدا ، حان وقت راحتك استاذنا منصور* ، بعد ان اتعبتك النخب الفاشلة التي طالما حاورتها في أدب منذ فجر الاستقلال ، كيف لا ونحن تفتحت عينانا علي منتوجك وسفرك العظيم *حوار مع الصفوة* و *( لا خير فينا ان نقلها ولا خير فيكم ان تسمعوها )* ثم كتاب *نميري .. وتحريف الشريعة* وكتاب *( السودان اهوال الحرب وطموحات السلام ... قصة بلدين )* *والكتاب الفاصل ( جنوب السودان في المخيلة العربية ) ، كأعظم إنتاج مرصوص ونقد علمي وحفر معرفي في تناول الهويات المزيفة المتنكرة لتضاريس السودان* . نشهد لك كنت سيفا مسلولا أمام التدليس التاريخي والحضاري والمعرفي ، فلم تحابي نخبة ولم تجامل دولة ، *ولم تكن افنديا تعبد المناصب وتطمح المواقع فيها .*
الدكتور منصور خالد شخصية ذائعة اخذت شهرتها في الآفاق ، ولعل هذا الذيوع مرده إلى الحالة الطلاقية والإستثنائية في حياة منصور ، فهو شماليُ قح ولكنه ناصر الجنوبيون من شركاء الوطن رغم اقليتهم وقتذاك ، لم يكن يؤمن بأغلبية وأقلية في حدود وبين أبناء الوطن الواحد ، وفضح عنصرية الصراع عند الشماليين واستعلائهم اللغوي واللوني ، *لم يكتفي بهذا بل شكك في جذور المكون وأصول النسب الموهوم .*
ما يميز منصور غير محصور ، لكن العلامة الفارقة في نظري هي تميزت الشخصية العلمية السودانية *بالكسل الكتابي* ان صحت العبارة ، وعليه نجد شخصيات معرفية ذات وزن ثقيل ولكن إنتاجها جد قليل ، فالعلاقة في العقل السوداني ظلت معدومة بين الكسب والإنتاج ، فالاديب الرقم عبدالله الطيب رغم اعتراف كبار الادباء في عصره بعلمه ، لكنه لم يتجاوز انتاجه عدد اصابع اليد الواحدة ، وعلى هذا يمكن قياس محمد احمد المحجوب وعبدالخالق محجوب ، وحتى الترابي الذي ملأ الدنيا حديثا كان قليل الكتابة والتدوين ، إذا *منصور خالد علامة فارقة ومتميزة في هذا المضمار ، واستطاع ان يكسر الصورة الشفهية المتخيلة والمرسومة للمثقف السوداني ، فكان نعم المثقف ونعم الإنتاج .*
هذا التميز والنبوغ المبكر والتوفيق المكتوب ولد لدى منصور اعداء حساد ، ظلوا يلصقون تهماً وافكار اقل ما يقال عنها *غيرة جِيلية*.
ستظل مساهمات الدكتور منصور خالد إضاءات تتجلى معانيها بتجدد الزمان والمكان والانسان ، فلئن تنكرت النخبة المعاصرة له وخلطت بين صافي الافكار وعلوها وتقدمها من أفكار الرجل وبين المواقف الشخصية والحياة العملية والميدانية له ،
الفيصل في عموم الحياة هو إعمال النقد الصادق واخذ ما ينفع من افكار ، *ومنصور بلا شك ترك ما ينفع الناس .*
اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عنه الاخطاء والهنات ،،،،
بقلم / الاستاذ عبدالواسع شفا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق