*نعوم
تشومسكي فيلسوف ومنظر أمريكي ذائع الصيت* ، تشغل مساهماته وأفكاره
الجريئة حيزا كبيرا من الجدل ، يرى نعومي في تبريحاته القاسية أن *صناعة
الإلهاء تكمن في تحويل التمرد من تمرد محكوم برؤية وقابل للتنفيذ إلى تمرد
احساس فقط دون أن يتحول ذاك الأمر إلى عمل له نتائج وثمار .*
لاشك اننا نعيش مرحلة تعتبر شاذة للغاية ، والوطن الذي حرمنا منه ،
يعاني هو الآخر من عقوق الأبناء ، *فلا النظام أوفى بحق الوطن ولا
المعارضة هي الأخرى قامت بالعرفان ، وعليه ضاع الوطن والشعب بين طرفين لا
خير في كثير من نجواهم ، والحقيقة الحالة الارترية وخاصة لخصوم النظام
تعتبر حالة شاذة عالميا ،* تستحق الدراسات . وإذا كان النظام له مثيل في
الظلم والطغيان ، فإن قوى المعارضة السياسية وغيابها عن المسرح
الطبيعي للتدافع ، ليس له مثيل في الكون كله ، وهذا ليس تندرا ، وإنما
محاولة أو قراءة جادة تلتمس افقا للحل من خلال التقييم لهذا الإلهاء
الضارب ، وإذا صدقنا في التشخيص ربما خرجنا برؤية تلامس الجرح .
إذن والحال على هذا لابد من التواضع إلى برنامج عمل ليس بالضرورة ان
يكون موضع إجماع ، ومعلوم من السياسة بالضرورة لا يوجد شيء يسمى إجماع
في دنيا السياسة ، *وبطبيعة الحال مرحلة المقاومة لا تتطلب كثيرا من
توحد الصفوف بقدر ما تحتاج إلى توحيد الرؤى والأفكار ، وبالتالي هي مرحلة
ثورية يصعب فيها العمل تحت كيان جامع واحد* ، وهذا ملاحظ في التجربة التي
أمامنا ، وما تجربة المجلس عنا ببعيد ، وليس لأنها فشلت ، وإنما ليس
بمقدورها إنقاذنا من المأزق الكبير الذي نعيشه ، ومن ناحية أحداث جسام
فرضت تحولات كبرى تجاوزت أطروحة المجلس ، المحنة الكبرى أننا رهنا
( بضم الراء ) إلى رؤية واحدة ، وما كان لأمة أن ترهن قرارها السياسي
إلى رؤية مهما بلغ الناس في صياغتها شأنا عظيما ، فالعقل الذي اخترع
الفكرة قادر على إبتداع فكرة أخرى ، هذا الأمر يحتاج إلى شجاعة تساهم
في صياغة تصور جديد للخروج من هذا النفق المظلم .
*ثلاثون عاما مرت وهي ( عمر جيل كامل ) لم تستطع ألمعارضة القيام
بعمل تجعل النظام في موضع يتحسس موقع قدمه ، فضلا أن تدفعه بالاعتراف بها ،
أو أن تحتل موقعا بين يدي بقعة جغرافية تتقاسم فيها مع النظام كرها وفرها*
، بل مارست المعارضة عملية الفرار بشحمها ولحمها دون تردد ، لتمارس
المعارضة معارضة مريحة من الخارج البعيد ، وهذا الخيار لا أحد يدعي أنه
فرض بقوة النظام وتأثيرات المنطقة ، وإنما هو في الأساس من صنع أيدينا (
قل هو من عند أنفسكم ) ، لا يعقل أن تتواطى النخبة عن بكرة أبيها على
فكرة الاغتراب واللجوء ، بحجة ترتيب الأوضاع الخاصة ثم بعدها تأتي
لتمارس التغيير من ذاك المكان البعيد !! ، *وهذا مستحيل سياسيا* ولنا في
تجربة جبهة التحرير عبرة لاؤلي الأبصار ، وعندنا فشلت التجربة وتراجعت
ودخلت قياداتها السودان أفواجا طبعا دون هزيمة وهذه حيرة أخرى ، لكن ما
يعنينا هنا أن السفارات الغربية فتحت أبوابها ، ليس إكراما لأحد من رهق
النضال الطويل وإنما لإبعاد المناضلين من منطقة التأثير وقطع السبيل أمام
أي محاولة للتشكيل والرجوع مرة أخرى ، *واليوم أيضا تتكرر المسرحية
بصورة أكثر إحراقا وهي اننا نشاهد هجرة ليس كهجرة السياسيين سابقا ، وإنما
هجرة مجتمع بأكمله ، والوطن الذي نتغنى بتاريخه وايقونته وعمقه وعبقه ،
أصبح يحتل الدرجة الثانية من التفكير .*
*حالة الفراغ العريض التي نعيشها تساعد للقول اننا والنظام
فرقاء في المقدمات شركاء في النتائج ، فما لحقت بالوطن من أضرار لا
يتحملها النظام وحده ، أو لا يمكن القول إن النظام هو وحده ونقف مكتوفي
الأيدي ، سيكتب التاريخ اننا رفعنا شعار الإسقاط والمقاومة فقط دون
القيام بموجبات الفكرة ، ( وإن الفكرة التي يخذلها أصحابها تنتقم منهم
أيما إنتقام ) كما ورد عن المفكر مالك بن نبي ، وليس أدل على إنتقام
الأفكار من جيل السياسيين من حالة اللا تعلم من حالة التجريف السياسي
والاجتماعي التي ضربت البلاد ، كل هذا ونحن نلوك شعار الإسقاط ، ولم
نعلم ان الطريق الذي نسلكه لن يوصلنا إلى طريق ، والعجب تجد من يتجاوز
المراحل فيقفز وينادي بمرحلة التحول الديمقراطي ، هكذا ضربة لازب !!* .
*صفوة القول* لابد من تصحيح المسارات ، فطريق التغيير اتجاه واحد كما
يقال بلغة أهل الإشارة والمرور ، لاينفع السير فيه معاكسة ، كما لا ينفع
من الزاد إلا الرؤية الوطنية . كما لابد من توظيف التمرد كما هو في منطق
الأشياء ، وإذا كان *( الحرمان النسبي الذي تعاني منه الشعوب أو
الجماعات يُعَدّ سببًا رئيسيًّا لتمرد المرء )* كما يقول المفكر تيد روبرت
غيد ، فكيف بالحرمان الكامل الكامل الذي نعاني منه ، وعليه *هذه مقدمات
تشخيصية للحالة الدوار السياسية التي نعيشها من زمن ليس بالقصير ، فان
اعترفنا بالتشخيص فذاك أمر مساعد لكتابة الدواء ، وإن لم يكن فذاك اجتهاد
لكم غنمه وعلي غرمه ، وما أردت إلا الإصلاح .*
*هذا وليبقى ما بيننا*
عبدالواسع شفا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق