بقلم المهندس : سليمان دارشح
16/01/2018م
أن كثير من الأنظمة التي تشكلت في
أعقاب الثورات ، تتجه في التطبيق اتجاهات تخدم مصالح الطبقات التي تمثلها المجموعة
الحاكمة ، وتحاول هذه المجموعة الحاكمة ، استثمار النصر الذي تحقق بعد نضال شاق
وطويل ، استثماراً فئوياً ، لا علاقة له بمصلحة الشعب ، فمثل هذه الأنظمة تكون قد
تخلت عن برانامجها الثوري الديمقراطي ، وتحولت إلي نظام دكتاتوري معاد لمصالح
الشعب وتطلعاته نحو بناء مجتمع العدل والرفاه والمساواة.
ولعل النظام العشوائي الحاكم في إرتريا
، خير مثال علي ذلك ، فمنذ أن تخلي عن مصالح الشعب ، أعتاد وبسياساته العشوائية ،
أن يدخل الشعب الإرتري في أزمات وحروب لا تحصى ولا تعد ، فشل خلال فترة حكمه والتي
أمتدت لأكثر من ربع قرن ، في بناء علاقات إيجابية متينه مع كل دول الجوار ، وخاصة
السودان الذي تربطه بإرتريا علاقات أزلية وروابط أبدية.
واستفزازاته المتكررة لهذه الدول غير
مستغربة وتعكس سلوكاً صبيانياً ومزاجاً متغلباً ، وإستمرار في نهج الخيانة
والتآمر.
وتحت هذا السياق نشاهد في هذه الأيام
تسارع الأحداث بين السودان وإرتريا ، بشكل لم يسبق له مثيل ، نشاهد دخول بشكل
مفاجئ النظام الإرتري ، إلي حلبة صراع دول حوض النيل ، حيث تأكد للسودان دخول
إرتريا كطرف في الصراع ، عندما ظهرت القوات الجوية المصرية بطائراتها ، وعناصر من
المعارضة الدارفورية والشرقية في قاعدة ساوا الإرترية ، والتي تقع علي مقربة من
الحدود الشرقية السودانية (ولاية كسلا) ، فأعتبره السودان تهديداً مباشراً لها ،
لذلك لم يتأخر في أتخاذ تدابيره الأولية ، التي تمثلت في إعلان حالة الطوارئ في
ولاية كسلا ، وحشد قواته التي تقدر بأكثر من 60 ألف من الدعم السريع مدججين بكامل معداتهم
العسكرية.
وبهذه الاستفزازات والتصرف المشين دق
النظام الإرتري طبول الحرب ، وضرب بالتزاماته واتفاقياته وعلاقاته مع السودان عرض
الحائط ، أضف إلي ذلك إن النظام الإرتري يلجأ لمثل هذه الممارسات العشوائية في
علاقاته مع دول الجوار والدولية ، لإلهاء الشعب الإرتري وصرف أنظاره عن القضايا
الأساسية ، بحجة وجود أخطار خارجية تهدد سلامة وأمن البلاد ، محاولاً بذلك دغدغة
المشاعر الوطنية للتجاوب معه في مغامراته العدوانية ، ولكن هيهات ، لقد عرف الشعب
الإرتري بالداخل والخارج حقيقة هؤلاء السماسرة الذين يقبضون ثمن مواقفهم من هذا
وذاك ، ليتمحوروا حوله ، وينفذوا سياساته.
إلا تعرف حكومة أسمرا المتعجرفة ومن لف
حولها ، إن الشعب الإرتري بمختلف مكوناته السياسية والاجتماعية والدينية ، يكن
للشعب السوداني الكريم كل احترام وتقدير ومحبة ، لتلك المواقف التاريخية الثابتة
والداعمة للحق الإرتري في الحرية والاستقلال وإقامة الدولة الإرترية !! إلا تعرف
عصابة أسمرا إن الشعب الإرتري يرفض أي عمل عسكري عدواني موجه من إرتريا ضد السودان
، ويتعتبره -الشعب الإرتري- خط أحمر !! فوق كل ذلك إلا يعرف هؤلاء ناكري الجميل ،
أن حكومة السودان آبان استقلال إرتريا 1993م ، كان لها دور كبير في تثبيت دعائم
النظام الإرتري ، ذلك عندما قامت – الحكومة السودانية - بإغلاق مكاتب المعارضة الإرترية في السودان
ومصادرة أسلحتها وممتلكاتها ومنع قياداتها من مزاولة أي نشاط سياسي واعتبارهم
لاجئين ومن رفض القرار دخل السجون السودانية عدة مرات وذاق الأمرين ، إلا يعرف
المتعجرفين ، إن حكومة السودان ساهمت مساهمة كبيرة لبقائهم في سدة الحكم طوال هذه
السنوات ، وذلك بعدم إعترافها بالمعارضة الإرترية وتحجيمها ، مما اضطرت المعارضة
الإرترية لنقل نشاطاتها السياسية والعسكرية من الأراضي السودانية إلي دولة أثيوبيا
!!.
في ذات الوقت ظل النظام الإرتري يمسك
عناصر المعارضة السودانية العسكرية ودعمها لوجيستياً وإستخبراتياً ليستخدمها ورقة
ضغط علي السودان في أي لحظة!!.
وبالرغم من هذه المناصرة الواضحة ، يظل
اللئيم ، لئيماً مهما أكرمته ، انقلب النظام الإرتري علي حكومة السودان أكثر من
مرة ، جحوداً وإنكاراً لما قدمته حكومة السودان له ، وها هي حكومة السودان تدفع
ثمن غلطة تمكين النظام الإرتري ، تدفع
ثمناً غالياً وستدفع ، كما أن الأحداث الأخير التي نشاهدها ، فقد بينت لنا بوضوح إن
حكومة السودان لم تتعامل مع الملف الإرتري باستراتيجية واضحة مبنية علي أسس وقواعد
مبدئية ثابته ، ولكنها للأسف كانت تتعامل مع الملف الإرتري وفق حسابات أمنية مؤقته
، والإنجرار وراء تحليلات بعض المنظرين السودانيين ، أمثال المدعو حسن مكي ، الذين
رسخوا مقولة : ( علي السودان
أن يعمل جاهداً علي أن لا تُحكم إرتريا من غربها ) ويقصدون هنا بغربها القبائل
المسلمة الذي لها امتدادات في السودان ، ويرون – جماعة حسن مكي - إن النظام العنصري والطائفي في أسمرا هو خير من
يحكم إرتريا.
والآن بعد كشف حقيقة النظام الإرتري ،
كيف ستتعامل حكومة السودان مع الملف الإرتري ؟ وهل ستراجع حساباتها ، وتتعامل من
جديد مع قوي المعارضة الإرترية ؟ هذه الأسئلة وغيرها ستجيب عليها الأحداث والمواقف
القادمة.
في ختام حديثي أقول : إن المسئولية
الوطنية تفرض علي قوي المعارضة الوطنية الإرترية ، قبل أن تتحدث عن إسقاط النظام ،
أولاً توحيد صفوفها ، وطرد العملاء والخونة المندسين في أوساطها ، ومن ثم توظيف
الأحداث الجارية وغيرها بذكاء من أجل الخلاص في أقرب وقت من نظام أسمرا المغتصب
للسلطة منذ عام 1993م ، والذي عاث في الوطن فساداً وتقتيلاً وإشعال حروب مع دول
الجوار ، والإتيان بنظام ديمقراطي حر ، يدعو إلي إشاعة الحريات والديمقراطية في
وطن يسع الجميع ، نظام وطني يلتفت للتنمية والإعمار ، بدلاً من الإقصاء وإلغاء
الآخر والتسلط ، نظام وطني يعمل لإعادة الملاين الذين شردتهم الطغمة الحاكمة ،
بممارساتها التعسفية من البلاد إلي مختلف بلدان العالم ، نظام وطني يطلق سراح آلاف
المعتقلين القابعين في أقبية السجون تحت الأرض ، نظام وطني يؤمن بالتعايش السلمي ،
ويسعي لإقامة علاقة حسن الجوار مع الدول المجاورة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق