بقلم / عبدالواحد شفا
(( يوجد العقل لدى الإنسان
ولكن ليس دائما بشكل عقلاني )) ماركس.
مرت علينا الذكرى
السنوية للربيع العربي التي بدورها أفرزت تحولات وتغيرات سياسية واجتماعية في المنطقة برمتها ،من هذه التغيرات بروز اتجاهات إسلامية بل سيطرة هذه الاتجاهات على الوضع الجديد ،هذا الأمر لم يكن في حسبان المحللين والمراكز
المتخصصة في دراسة
التحولات الاجتماعية ، وعليه فإن فوز الإسلاميين في بلد شديد الانفتاح وأكثر الشعوب تحرراً من التقاليد الاجتماعية
والنمطية مثل تونس ومصر ، إنه أمر يستدعي التأمل والوقوف ، هذا لايعني أن الشعب
التونسي أو المصري فيه رقة في الدين أو انه شعب متحلل ؟ ولكن المقصود أن الإسلاميين
لا يستطيعون تقديم قراءت صحيحة للإسلام
تتماشى مع ما علية (الوعي المجتمعي ) ، لكن بالنظر المدقق نجد جملة ملاحظات هي
التي جعلت هذه الشعوب تضعُ ثقتها على التيار الإسلامي ،لاسيما أنها جربت التيار
العلماني الليبرالي المتحرر والمتنكر للقيم الثقافية والأصول الحضارية للأمة ، من
هذه الملاحظات
1_ الإسلاميين في مصر وتونس هم الأكثر حظا من سياسة
السجن والتشريد والتقتيل في ظل الأنظمة القمعية الاستبدادية .
2_ هم لصيقون بالمجتمع وهمومه التعليمية والصحية والاجتماعية
.
3_ أيضا أنهم مؤمنون صادقون غير مراوغون خاصة
فيما يتعلق بالديمقراطية والحريات ، ولم يسجل لهم التاريخ أنهم حاولوا الاستيلاء
على السلطة من غير انتخابات على عكس إخوانهم الإسلاميون البرغماتيوت في السودان .
4_ هم
كفاءات في شتى التخصصات العلمية ، بل منهم من تجاوزت سمعته حدود الوطن العربي .
هذه التوطئة نقصد منها أن الإسلاميون في المنطقة العربية هم (ظهور) أو
(حضور) في حالة وجود الأنظمة الاستبدادية او زوالها ،والحقيقة أنهم لم ينالوا هذه
الثقة المجتمعية هكذا بمحض الصدفة ،وإنما بجهد بذلوه وابتلاءات ومحنٍ تعرضوا لها ؟
وإذا كان الحال على هذا إذا السؤال المطروح أين نجد الإسلاميون
الارتريون ؟ أو لماذا هم غياب في زمن الحضور ؟ او بمعنى أخر كيف يفهم تأخير الإسلاميون الارتريون عن إخوانهم في المنطقة ؟ وهل هذا التأخير يمكن حسابه بوحدات قياسية ؟
هذه الاستفهامات تموج في الذهن موجا ، وتشغل
العقل بحثا ، وتأخذ الوقت هملا دون إن تصل
بك إلى إجابات مقنعة ، وعليه حتى كاتب هذه
السطور يقدم اجتهادات قد تصلح أو لا تصلح
، لان الأمر مرده إلى الزاوية التي ينظر
منها كل منا إلى هذا الأمر ، او العدسة التي نستخدمها ، وهي نفسها قد تحتاج الى
مراجعة ؟
اقو لان تأخير الإسلاميون عن غيرهم ربما يعود إلى أشياء كثيرة منها التحصيل الاكاديميي ، وأنهم لم ينالوا
تعليما متميزا بل مثل غيرهم إن لم يكونوا اقل
،وعليه فاقد الشئ لايعطيه ، وإذا صحت هذه الفرضية أو إذا عرف السبب بطل العجب ؟ وهذا الاستنتاج يتفق
تماما مع ماهم عليه من (سكون) ، إذا لا ينتظر منهم جديد لا على مستوى التغيير الحضاري
المنشود ، ولا على مستوى تغيير النظام المنبوذ ؟ فضلا عن
تقديم قراءات جديدة عن الدولة الإنسانية والعلاقة
مع الأخر أو التعايش السلمي أو قضايا المرأة ؟ وأنا لأول مرة أشاهد تنظيمات إسلامية
(ذكورية) مع تحذيري الشديد علي استخدام هذا المصطلح ، وهذا الاستفهام الأخير معني
به الاتجاه السلفي أكثر من غيره ؟
الأمر الآخر والأكثر أهمية هو تعامل الإسلاميون مع المال العام ؟ والمؤسف
الشديد ان شهادة التاريخ تفق ضدهم ؟ وأنهم أصحاب نظريات (خلوها مستورة ) في الحالة
السودانية (والفراق بالحسنى) في الحالة
الارترية ،وان الخلافات بين الإسلاميين تسقط كل القيم الأخلاقية ،ولكنها لا تسقط (
المال القيم ) على حسب تعريفهم للمال .
أخيرا هنالك مجالات
كان يمكن للإسلاميين عندنا العمل فيها ، وهذا فعلا إذا ارادو خدمة هذا الشعب ، مثل منظمات المجتمع
المدني والمنظمات الطوعية ومراكز التوعية الدعوية ، ولكن للأسف أصبحت هذه الهيئات
إن وجدت فهي خادمة للحزب إن لم تكن خادمة للأفراد ؟ وفي نظرهم هذه الاتجاهات بعيدة النتائج
والحصاد لا تجلب لهم (حكما) ولا تلحقهم (بالصالحين) .
هذا المقال لايقصد منه التشكيك أو التنقيص من
دور الإسلاميون عندنا ، لا شك أنهم جزء في منظومة توازن الضعف ، لكن المقصود لماذا لا يكونوا في الصدارة مثل غيرهم ؟ ولماذا ينسحبون من الميدان الثقافي
والدعوي لصالح الميدان السياسي المبهم ؟ مع إن الأول معلوم النتائج والارباح وهو حكر لهم
بالجملة لاينافسهم أحد ؟ ربع قرن من الزمان والإسلاميون الاريتريون هم هم كما بدوا
أول مرة ،لا جديد على مستوى الطرح ،لا جديد على مستوى الوحدة ، لاجديد على مستوى
الواقع والتحدي ،لاجديد على مستوى خلق علاقات إقليمية مركبة ومعقدة ، حتى انهم لم
يستفيدوا من النظام السوداني طيلة السنوات الماضية ، والبعض منهم يقول قولا
شديد الضعف مثل أن النظام السوداني ليس له تصور واضح للمعارضة الارترية بصفة عامة ،وللإسلاميين بصفة خاصة هذا القول على ضعفه لايمكن ان ينطق به سياسي
يعرف السياسة ، ثم ثانيا الكل يعلم ان النظام السوداني دعم المعارضة والاسلاميين
،ففتح لهم معسكرات متعددة بلاحدود ، ولكن
المسألة تكمن في عاجز الفعل مضياعٌ لفرصته 100% حتى إذا فات الامر
عاتب القدر .
فالإسلاميون
الاريتريون مطالبون اليوم قبل الغد بإجراء قطيعة تاريخية مع فكرة التأسيس ، ففي
الوقت الذي كان فيه الاستعمار الإثيوبي الوحشي جاثما على صدر وطننا الحبيب ويمارس أبشع أنواع الإبادة في التاريخ ، ظل
الإسلاميون على كراهية مسبقة وظلت الجبهة
الشعبية عاملاً نفسياً لهم لم يستطيعوا
تجاوزه ، برغم تصالحهم مع الشيطان الأكبر الإثيوبي .
والأمر الثاني وأكثر
أهمية هو التفاعل الثقافي مع الآخر،فالإسلاميون
لم يثبتوا عبر التاريخ أنهم يمكن أن يتعايشوا مع
الثقافات دون فرض ثقافة على ثقافة أخرى ، لذا نجد أن قيادات الصف الأول لا
تستطيع التحدث باللغة التقرينجية ، هذا فضلا عن اللغات الحية والأكثر ضرورية ،
فالقيادات الإسلامية تعيش حالة يمكن أن نسميتها
( احتباس لغوي ) وهي حالة ممتدة من ثقافة وهمية أو استعلاء لغوي ،وعليه أن حضور الإسلاميين لايكون بزيارات مبتورة
واتصالات مقطوعة يقوم بها البعض يمنة ويسرة ، تماشياً مع واقع لم نكن طرفاً في
صنعه وإنما هو المطلوب اتصال مع الذات والواقع والمجتمع والتصالح مع الروئ
والأفكار، ولهذا نختم بالمقولة التي بدأنا بها يوجد العقل لدى الإسلاميين
الاريتريين ولكن ليس دائما بشكل عقلاني ،،،،
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق